نشأة الكون

كتب @dania:

The cosmic glow of the Carina Nebula

الكلام عن الكون يطول ويتشعب، وإذا أردنا أن نتحدث عن علم الفضاء والكون نحن بحاجة لأن نؤسس لهذا العلم من خلال فهمنا للحظة البداية، والبداية هي نشأة الكون. كيف نشأ؟ وما هو موقعنا منه؟ وما هي أهم النظريات التي مرت، والتصورات عن الكون عبر الأزمنة التاريخية؟

تتلخص النظريات حول نشوء الكون بمدرستين اثنتين: أولاهما أن الكون كما هو ببداية ونهاية لا يتطور ولا يتغير، والثانية أن الكون يتطور وله بداية وقد يكون له نهاية.

وبنظرة تاريخية سريعة نجد أنه في عام 1 ق.م (البابليون) آمنوا بأن الأرض هي عبارة عن كوكب يعوم بين البحار والمحيطات، بالإضافة إلى 7 كواكب أخرى. أما في العام 4 ق.م قال أرسطو: “إن الكون ثابت لا بداية ولا نهاية له”. في العام 2 ق.م اعتقد بطليموس أن الكرة الأرضية في منتصف الكون، وأن الشمس والكواكب تدور حولها. أما العلماء المسلمون فقد أثروا الحياة العلمية في مجال الفلك، وذلك بالاعتماد على أسلوب الاستقراء والمطالعة العلمية، وذلك بين القرن (9 – 16) الميلادي.

وقد قدم كوبرنيكوس فكرة ثورية في القرن السادس عشر مفادها بأن المجموعة الشمسية هي ليست الوحيدة في الكون، والشمس تقع في منتصف هذه المجموعة والأرض تدور حولها. هذه الفكرة خالفت الكثير من عقود الفلسفة والتحكم الديني والسياسي في النظريات العلمية التي سبقته، وصولًا إلى القرن العشرين حيث ظهرت نظرية الانفجار العظيم (The Big Bang Theory) في العام 1948 على يد الفلكي الروسي جورج غاموف (George Gamov)، ولكن قبل الحديث عن هذه النظرية لا بد لنا من فهم معنى كلمة نظرية: فهي تصور تجريدي ومحاولة الاستدلال لاستقصاء المعرفة وراء حواجز الحواس، فكل نظام له وحدة بناء، فالذرة وحدة بناء المادة، والخلية وحدة بناء الكائن الحي، والDNA وحدة بناء الكروموسوم والتي تُعد النيوكليوتيدات وحدة بنائها وهكذا؛ فالفَرَض هو وحدة بناء النظرية، وهو احتمال يقدره الباحث أو العالم لتوضيح العامل أو العوامل التي تسبب في حدوث المشكلة أو المجهول أو الظاهرة المراد الكشف عنها، والفَرَض له خاصية الاحتمال بأن يصيب أو يخطئ.

وتبين لنا هذه النظرية أنه في البدء كان هناك جرمًا لا يستطيع العقل البشري أن يتخيله؛ فهو من الصغر بمكان ما يفوق تقدير العقل البشري، وهو من الكثافة والطاقة بمكان ما يفوق العقل البشري. تبين النظرية أن هذه الجرم الحرج في كتلته وحجمه وطاقته قد انفجر في الماضي السحيق ليولد غلالة من الدخان. وبحسب هذه النظرية، فإن الكون تمدد بطريقة لوغاريتمية في نشأته، إذ تمدد في الحجم مائة تريليون مرة خلال أجزاء ضئيلة جدًا من الثانية بعد الانفجار، مما أدى إلى تناسق الكون بصورة ملحوظة في أغوار الفضاء، كما وجدت نتيجة لذلك تموجات هائلة نجمت عنها موجات الجاذبية.

ولفهم النموذج السائد لعلم الكون؛ كان لزامًا على العلماء أن يبذلوا جهدًا أكبر ليتمكنوا من فهم ما يحدث في هذه الفرادة الدقيقة، وذلك من خلال مزاوجتهم لجانبين من العلوم: النسبية العامة (تفسر الجسيمات على مستوى الماكرو)، وميكانيكا الكم (القوانين الحاكمة للجزيئات). وقد شكّل تطبيق التخصصين تحديًا لعلماء الفيزياء عقودًا عدة، فكما يقول أحمد فرج علي –عالم الفيزياء في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، مصر: “تمثل فرادة الانفجار الكبير المشكلة الأكثر خطورة للنسبية العامة؛ إذ يبدو أن قوانين الفيزياء تتوقف هناك”.

The cosmic glow of the Carina Nebula

ونتيجة هذا الانفجار تولدت غلالة من الدخان، حيث أخذت جزيئاتها بالتقارب بفعل الجاذبية؛ لتشكل المجموعات الشمسية لتكون المجرات، ومن ثم الداليات، وبعدها العناقيد، ومن ثم السُّدُم.

وهنا يُطرَح سؤال فائق الأهمية: إلى متى سيستمر هذا التمدد؟ وهل هو نهائي؟ أم هو خارج لحدود الزمان والمكان إلى المالانهاية؟

يسأل العلماء التجريبيين: هل معدل اتساع الكون قبل مليارات السنين هو ذاته الآن؟ بالطبع لا، حيث يجيب أ.د صبري الدمرداش أنه لا بد لنا من معرفة أن هناك قوىً دافعة سببت اتساع الكون، والتي تقل مع الزمن فيقل معدل اتساع الكون بالمقابل، تظهر القوى الجاذبة، وفي لحظة من الزمان ستتساوى فيه القوتان (الدافعة والجاذبة)، وفي وقت بعد هذا ستبدأ القوى الدافعة بالتناقص تدريجيًا ، فتزيد القوى الجاذبة بالمقابل، ينتج عن انسحاق القوى الدافعة تلاشٍ للزمان والمكان وتكدس للمادة والطاقة؛بحيث تشمل التغيرات جوانب الكون الأربعة؛ فلا زمان بغير حرية، ولا مكان بغير مدّة فيحدث الانسحاق العظيم (Big ranch). أما المادة والطاقة فسيتكدسان ليصبحا جرمًا صغيرًا متناهٍ في الصغر و الكثافة، وعندئذٍ يحدث البيج بانج الثاني، فتق يتبعه رتق ليتبعه فتق آخر من خلال الانسحاق العظيم.**

في محاولة للجمع بين قوانين ميكانيكا الكمّ والنسبية العامة، ولحلّ لغز الفرادة، استخدم علي زويل وسوريا داس –عالم الفيزياء في جامعة ليثبريدج في ألبرتا، كندا– معادلة تتوقع استخدام الفرادات في النسبية العامة. هذه المعادلة كانت أمل كُمر رايشودوري –أستاذ داس السابق– قد وضعها عندما كان داس لا يزال طالبًا في جامعة بريزدنسي، كلكتا، الهند، لذا كان داس على دراية بها، بل شديد الإعجاب بها.

عندما أجرى علي وداس تصحيحات كمية صغيرة على معادلة رايشودوري، استنتجا أنها تصف سائلًا مشكلًا من جسيمات صغيرة تتخلل الفراغ. ولطالما اعتقد الفيزيائيون أن صيغة الكمّ للجاذبية ستتضمن جسيمًا افتراضيًّا، يُدعى جرافيتون (Graviton)، يولّد قوة الجذب. وفي نموذجهم الجديد –الذي سيظهر في عدد فبراير من دورية [Physics Letters B)[1) يفترض علي وداس أن جرافيتونات كهذه يمكنها تشكيل هذا السائل.

ولفهم أصل الكون، استخدما هذه المعادلة المصححة؛ لتَتَبُع سلوك هذا السائل عبر الزمن الماضي. وما أثار دهشتهما أنهما وجدا أنه لم يقترب من الفرادة، وبدلًا من ذلك بدا أن الكون كان موجودًا منذ الأزل. على الرغم من أنه كان أصغر في الماضي، فإنه لم يتلاشَ تمامًا إلى العدم، وفق قول داس.

يقول علي: “تصلح نظريتنا لإكمال نظرية النسبية العامة لأينشتاين، الناجحة جدًّا في وصف الفيزياء على مدى مسافات شاسعة”، مضيفًا: “ولكن الفيزيائيين يعلمون أنه من أجل وصف المسافات القصيرة، فإنه لا بد من استيعاب ميكانيكا الكمّ، ومعادلة رايشودوري خطوة كبرى لتحقيق ذلك”.

كما يمكن لهذا النموذج أن يساعد في حل سرّين آخرين من أسرار الكون الغامضة. في أواخر تسعينيات القرن الماضي، اكتشف علماء الفلك أن توسع الكون يتسارع بسبب وجود طاقة مظلمة غامضة مجهولة المنشأ. هذا النموذج يستطيع تفسيرها؛ نظرًا لكون السائل يشكل قوة صادرة صغرى، ولكنها ثابتة تؤدي إلى توسيع الفضاء. ويعلق داس قائلًا: “هذه هي النتيجة السعيدة غير المقصودة لعملنا”.

يعرف علماء الفلك أيضًا أن معظم المادة الكونية توجد بحالة غامضة لا مرئية تُدعى المادة المظلمة، ويمكن إدراكها فقط من خلال تأثيرها الجاذب للمواد المرئية كالنجوم. عندما أعد داس وأحد زملائه كتلة الجرافيتون في النموذج على مقياس صغير، تمكنوا من جعل كثافة السائل مطابقة لكثافة مادة الكون المظلمة الملحوظة، في نفس وقت تقديمها أيضًا للقيمة الصحيحة لقوة دفع المادة المظلمة.[2]

وعن أهميتها يقول علي: “إنها المرة الأولى التي يتمكن فيها أي كان من إظهار أن هاتين المشكلتين الرئيسيتين في علم الكون يمكن حلهما في الوقت نفسه بواسطة معادلة الكمّ لرايشودوري”.

ويضيف داس: “لدينا شعور عميق بالرضا؛ لأن هذا النموذج قد يتمكن بضربة واحدة من حلّ بعض أكثر القضايا الكونية أهمية”.

المراجع:

  1. Ali, A. F. & Das, S. Cosmology from quantum potential. Physics Letters B 741:276–279 4 February 2015, preprint: arXiv:1404.3093 (2014).
  2. Das, S. & Bhaduri, R. K. preprint: arXiv:1411.0753
  3. الكون الأنيق (برايان غرين).
  4. سلسلة الكون.
  5. موسوعة ويكيبيديا.

** الآيات: (75–76 من سورة الواقعة، الذاريات 47، فصلت 11، الأنبياء 30و 104، ابراهيم 48).

المنشورات: 1

المشاركون: 1

اقرأ كامل الموضوع