حول بعض مشاكل العلموية وتقديس الأكاديميا الحديث – فيزيائي يهاجم علم الذكاء الصناعي

كتب @hussein:

قرأت مقالة تتكلم عن عالم فيزياء أثار “زوبعة تويتات” على تويتر في نقد علوم الذكاء الصناعي وأنها عبارة عن هندسة هدفها تحقيق أهداف الشركات دون أي إضافة للعلم والمعرفة. المقالة والموقف بشكل عام يمثل نموذج نقي للعديد من مشاكل العلموية وتقديس العلم والشهادات الموجودة حاليا، أذكر منها:

– المقال قدّم العالم “مع أنه ليس دكتور ذكاء صناعي لكنه دكتور فيزياء فيمكن اعتباره خبيرا في العلم”. هذه العبارة تمثل إحدى مشاكل تقديس العلماء. للآن لا يدرك الكثيرون أن شهادة الدكتوراة معناها اجتيازك لنظام خاص في البحث في مجال دقيق معين بمنهجية معينة وبمرجعية معينة، وأن هذا قد لا يؤهلك للحديث عن مجالك بشكل عام إن خرج عن رسالة بحثك. أحد قادة الحركة المناهضة لفكرة الاحتباس الحراري دكتور فيزياء مشهور كان من أعظم الباحثين في القرن العشرين، لكنه ببساطة ينكر كل أبحاث العلماء المختصين في مجال البيئة والكوزمولوجي وغيرها ويرمي بها عرض الحائط لأسبابه الخاصة. الدكتور المختص في عضو في الجسم يحتاج لاستشارة مختص في عضو يقع فوقه بسنتيمترات. هناك غرور واضح لعلماء الفيزياء بشكل عام بصفتها أكثر العلوم الطبيعية تجريدا، هذا ما يجعلهم بالذات عرضة للحديث عن الرياضيات والمنطق والدين والفلسفة وكأنه مجالهم. أذكر بحثا قدمه علماء فيزياء قاموا بتجارب ومعادلات فيزيائية لنقض مبدأ رياضي، طبعا البحث نشر في مجلة فيزيائية لكنه أثار سخرية علماء الرياضيات من أخطاء تأصيلية بسيطة كانت بالبحث. مع أن الفيزياء تستخدم الرياضيات بكثرة لكن خروج العالم عن مجاله يوقعه بأخطاء بسيطة…
“على الهامش هل يذكرك هذا بشيء؟ الذين يتكلمون بثقة حول العلوم الدينية والحديث والعقيدة مثلا؟ ”

– هناك خطاب فوقي يتم صبه دائما من طرف كثير من الأكاديمين، أن البحث الأكاديمي هو قمة المساهمة العلمية المتجردة المحايدة. وهناك نظرة دونية للعاملين في القطاع العملي. طبعا هناك ميل طبيعي للكثيرين بأن يكون مجالهم هو الأفضل والأنقى، لكن المشكلة أن الكثير يتناسون أنه في كثير من المجالات الشركات هي أفضل محرك للبحث والمعرفة. الأمثلة على ذلك لا حصر لها، وهناك الكثيرون ممن يرون أفضل طريق للإنجاز هو بالبعد عن الجانب الأكاديمي. هذا ليس تبخيسا بمهارات البحث المميزة التي يعطيها النظام الأكاديمي، لكن هذا له مميزات وهذا له مميزات. تطوير الأبحاث من خلال الشركات فيه حرية ومرونة أكبر، وتركيز على الفوائد والنتيجة، وحركة أسرع بكثير من المجال الأكاديمي. هذا طبعا له سلبياته، لكن الفكرة أن النظرة الدونية لتطور العلم من خارج الطريق الأكاديمي سذاجة. الحروب مثلا عبر التاريخ كانت هي العامل رقم واحد في تطور العلم، راجع مثلا تطور العلم قبل وما بعد الحروب العالمية، وقبل وبعد حروب الممالك الثلاث في الصين، وغيرها.

– موضوع أن الأبحاث الأكاديمية هي الوحيدة المتحررة من المصالح المادية والتي يمكن أن تزيد العلم للعلم فقط ببساطة خاطئ. هناك موضوع كامل في فلسفة العلوم يختص بنقاش حيادية العلم، وإن تجاوزنا التحيزات المنهجية والمرجعية وما إلى ذلك، يبقى لدينا تحيز في اختيار الأبحاث. من الذي يمول الجامعات؟ الحكومات، الأفراد الأثرياء، الشركات. تبرعات الأوقاف الجامعية تكون بالعادة محددة لغايات استمرارية الجامعة ككل، وتبقى الأبحاث ممولة بالغالب من الحكومات أو الشركات. كل هذه الجهات لها أهداف معينة تمولها لغرض جلب مصلحة بعيدة المدى، والمواضيع الأخرى لا تُمول، وبالتالي العلماء سيختارون المواضيع القابلة للتمويل أساسا وإن برروا اختيارهم أنه شخصي بأثر رجعي. الفرق الذي يعطي ميزة للبحث الأكاديمي أن الممولين في الغالب لا يمولون لنتائج مباشرة، فهناك متسع للانجازات النظرية غير القابلة للتطبيق بشكل أكبر. لكن بشكل عام البحث الأكاديمي يمول لهدف وغاية، وهو ليس حرا ونقيا كما يصوّر البعض.

– هذا الرأي صورة أخرى من النظرات الدونية المتبادلة ما بين العلوم النظرية والعلوم العملية. كشخص درس من هذه وتلك هذا أمر أقرأه باستمرار، وهو أمر يدل على نزعة الإنسان التحزبية والفوقية في كل مسلك يسلكه. العلاقة ما بين النظرية والتطبيق علاقة متبادلة كل منهما يدعم الآخر. النظرية تأصل النموذج الفكري للظواهر والتطبيق يحصر الخيال اللامحدود للنظرية في الواقع.

– النقطة الأخيرة حول فائدة الذكاء الصناعي المعرفية. أي باحث في المجال يعرف إسهامات الذكاء الصناعي في مجالات عديدة أذكر منها علم النفس وفهم الوعي البشري وطريقة تفكير الإنسان. ربما لا يعلم عالم الفيزياء هذا أنه هناك مدرسة كاملة في علم النفس تأسست بإسهامات علماء ذكاء صناعي ولغويات وغيرها من التخصصات الخارجة عن مجال علم النفس. نظريات الوعي والتأثير والتفكير الناتجة عن أبحاث الذكاء الصناعي لا حصر لها. نحن نحاول صناعة آلة تفكّر مثل الإنسان، فبالتالي علينا أن نضع نماذج لكيف يفكّر الإنسان.

هذه بعض النقاط التي جالت في ذهني وأنا أقرأ المقال، وهي مرتبطة بالكثير من النقاط التي نناقشها في برامج فلسفة العلم في قصة الفكر.


المقالة المذكورة:

المنشورات: 3

المشاركون: 2

اقرأ كامل الموضوع