النزعة العلموية – Scientism : أزمة فقدان المعنى

كتب @tareq.hameda:

(( إن العلم يكفي الآن وحده لمعالجة جميع شئون الإنسان ))

Matthew Tindal
1657-1733
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ليس العلم مجرد تلك النظريات العلمية او التجارب المختبرية او الاختراعات المبتكرة و ليست تنحصر ايضا في ذلك المدلول التقني الاجرائي و حسب …

((بل هو أولاً قيمة من أرفع القيم التي أنتجها الوعي الإنساني، ولهذا السبب كان العلم – من المنظور القرآني- شرط التفاضل بين الناس، يقول الله عز وجل في سورة المجادلة/ آية 11 : – (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)
الفيلسوف الطيب بو عزة

و قد أصاب ادوارد سعيد كبد الحقيقة حين صرح بان كل من الشرق و الغرب متأثرين ببعضهما البعض، فلا يحدث شيء في احد العالمين الا و يلقي الحدث بظلاله على العالم الاخر شاء من شاء و أبى من أبى

و في هذه المقالة أحاول ان أقدم توضيحا و معالجة سريعة لظاهرة تفشت في المجتمعات العلمية الغربية من أيام عصر النهضة و قد بدأت تتسرب اطروحاتها و لو بشكل مهذب الى عالمنا العربي و الاسلامي

أطروحة ولدت في أفياء الصراع الكنسي – العلمي = تحدي بين أنبياء الكنيسة و أنبياء العلم التقدمي

هي قديمة قدم الحملة الفرنسية = فنجد نابيليون بونابرت في مفتتح القرن التاسع عشر يسأل عالم الفلك الشهير لابلاس عن عمل القدرة الإلهية في تنظيم الأفلاك السماوية فأجابه:
“إنني لم أجد في نظام السماء ضرورة للقول بتدبير الإله”

و لا يخفى على المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي و الحركات الشبابية التطوعية و المدونات و المواقع الالكترونية هذه الموجة المعظمة من شأن العلم و تقديمه كخلاص نهائي لجميع مشاكلنا – في نسخة مهذبة تراعي الواقع الاسلامي

و حين أقدم هذه المقالة ليس هدفي التبخيس من مقدار العلم المادي و التقليل من شأن البحث العلمي في رفعة الامم و نهضتها، بالعكس ارى نفسي كباحث علمي في مجال الدواء جزءا من مشروع تعزيز ثقافة البحث العلمي في وطننا العربي و الاسلامي

لكن لا بد من اعطاء كل ذي حق حقه و عدم اعطاء العلم مساحات شاسعة لا يستحقها او تقديمه كخلاص نهائي و حرمان باقي المعارف ما تستحق من مكانة في هرم المعارف البشرية

– المفهوم –

يمكن تعريف النزعة العلموية كما يورده الدكتور سلطان العميري في بحثه ظاهرة نقد الدين:
((هو الاعتقاد بأن العلم التجريبي قادر على الإحاطة بكل الحقائق الكونية وأن البشر لم يعودوا في حاجة إلى أي مصدر آخر للمعرفة أو الأنظمة مع وجود العلم، فقد أغناهم العلم التجريبي عن كل المصادر الفلسفية والدينية وغيرها التي كانوا يعتمدون عليها ))

و يمكننا الأضافة بانه في نسخته المتطرفة تجد نفسا تحقيريا لباقي المعارف البشرية كالعلوم الانسانية او الدينية الشرعية او اي شكل من اشكال المعرفة بالاضافة انها تلزم إخضاع كل الظواهر الإنسانية للمنهج العلمي التجريبي فما ليس بالمختبر ليس بعلم

و مؤسس هذه النظرة الفيلسوف الحسي أوجست كونت رائد الوضعية المنطقية و يسجل ذلك في قوله:-

“” أما الآن وكل المتعلمين من أبناء المدينة الحديثة يعتقدون بأن كل الحوادث العالمية والظواهر الطبيعية لا بد لها من أن تعود إلى سبب طبيعي، وأنه من المستطاع تعليلها تعليلا علميا مبناه العلم الطبيعي …فلم يبق فراغ يسده الاعتقاد بوجود الله، ولم يبق من سبب يدفعنا إلى الإيمان به “”

و يسميها الفيلسوف المعاصر روجيه جارودي بالأصولية العلموية، ويعرفها (( بأنها النزعة القائلة بأن العلم يمكنه حل المسائل كلها، وأن ما لا يمكن للعلم أن يقيسه ويختبره ويتوقعه هو شيء غير موجود ))

و يمكن تلخيص هذه النظرة بانه توسيع للضيق و تضييق للواسع !!

فمن المعلوم ان لكل علم و مجال انساني ادواته و مصادره، فالعلوم الاجتماعية لها مصادرها و العلوم الشرعية لها أدواتها و مصادرها و العلوم الرياضية لها أدواتها و مصادرها و هكذا

و افتراضا ان سلمنا بهذا الدور للعلم يأتي السؤال الآتي:
هل العلم قادر بالاساس على تغطية تلك المساحات الشاسعة من العلوم باشكالها المتنوعة ؟
هل العلم بالاساس قادر على تقديم أجوبة على تلك الحزمة من الاسئلة الوجودية التي تهجم على قلب الانسان صارخة ؟
( من خلق الكون؟ والحياة؟ وما القصد من وجودي ؟ وماذا بعد الموت؟ )

و هذه الحزمة الوجودية من الاسئلة لسيت ترفا فكريا بل حاجة فطرية تهجم هجوما على كيوننة الانسان مهما اهملها

أليست وظيفة العلم المادى فهم الكون و خلق قوانين تشرح ترابط علائقه لا انتاج المعنى و شرح الوجود الكلي ؟!

فهلموا بنا نقدم الطعون ضد تلك النظرة من باب تفنيدها تماما

– الانتقادات –

و الان احاول ان اقدم وجوه النقد الأساسية لهذه الظاهرة:-
~
(1)

العلم يجاوب سؤال كيف و لكن لا يقدم أجوبة على سؤال لماذا، العلم يعلمنا كيف نعيش بطريقة افضل لكن لن يخبرنا لماذا نعيش على سطح هذه الكرة الأرضية = لن يقدم اجوبة على اسئلة الوجود و أسئلة المعنى التي تشكل عمود اساس في الوعي الانثربولوجي الانساني
~

وفي هذا الإطار يمكن أن نستحضر المؤرخ اليوناني بلوتارك الذي قال:
“من الممكن أن نجد مدنا بلا أسوار ولا ملوك ولا ثروة ولا آداب ولا مسارح ولكن لم ير قط مدينة بلا معبد، أو لا يمارس أهلها عبادة ”

فالنزوع نحو التقديس والتعبد أمر يشكل جزءا من طبيعة الإنسان و لا بد له من إشباع!!

لذا يعلق الفيلسوف الطيب بو عزة في مقاله الرائع محدودية العلم:

شيوع هذه النزعة سيؤدي بالثقافة الغربية إلى أزمة كارثية، هي أزمة غياب المعنى، أي غياب معنى الوجود والحياة، الأمر الذي سيخلص إلى العدمية والعبثية، وإن “أزمة المعنى”، في تقديري، أخطر أزمة يمكن أن تلحق حضارة ما. بل هي أخطر من أزمة .الغداء، فأزمة الطعام هي أزمة تلحق الجسد. لكن أزمة المعنى تلحق نفسية الإنسان وروحه، فتسلمه إلى الشقاء ولو كان غارقا في نعيم الجسد ووفرة الغداء

في هذا المعنى يقول إروين شرودنجر:

الصورة التي يقدمها العلم عن الواقع من حولي صورة ناقصة جدّاً…إنه (أي العلم الطبيعي) لا يتكلم ببنتِ شفة عن الأحمر والأزرق، المرّ والحلو، الألم واللذة، إنه لا يعرف شيئاً عن الجميل والقبيح، الحسن والسيئ، الله والخلود؛ يتظاهر العلم أحياناً بأنه .يجيب على أسئلة في هذه المجالات، ولكن غالباً ما تكون إجاباته سخيفة للغاية إلى درجة أننا لا نميل إلى أخذها على محمل الجد

فالعقل عاجز عن انتاج المعنى و إنتاج الحقيقة و وضع المعايير الأخلاقية و القوانين التي تساوي بين البشر لانه عاجز على التجاوز للمدرك المادي و له حائط ادراكي سوف يصطدم به كلما حاول تجاوز عالم الميتافيزيقيا و اللاوراء!!

الخلاصة :ان العلم عاجز عن أنتاج المعنى و الحقيقة فهذه وظيفة الدين و العقيدة

—————————————————————————————-
~
(2)

عجز العلم المادي في تقديم أجوبة على عديد من المشكلات العلمية إذ يوما بعد يوم يزداد التأكد من قصور العلم التجريبي على الاحاطة بجميع ظواهر هذا الكون و تفسيرها بشكل كلي
~

لذا يرى صديقنا أينشتاين بأن:

العقل البشري مهما بلغ من عظمة التدريب وسمو التفكير عاجز عن الإحاطة بالكون، فنحن أشبه الأشياء بطفل دخل مكتبة كبيرة، ارتفعت كبتها حتى السقف، فغطت جدرانها، وهي مكتوبة بلغات كثيرة، فالطفل يعلم أنه لا بد أن يكون هناك شخص قد كتب !تلك الكتب، ولكنه لا يعرف من كتبها ولا كيف كانت كتابته لها، وهو لا يفهم اللغات التي كتبت به

وفي تأكيد نفس المعنى نفسه يقول عالم الفيزياء المعاصر سمولن بعد حديثه المطول عن مستقبل طبيعة الكون:
(( لكننا نبقى عاجزين عن الإجابة عن سؤال بسيط تم طرحه منذ أمد بعيد، في ثلاثينيات القرن العشرين : لماذا يكون للبروتون والنيوترون نفس الكتلة تقريبا؟! ولماذا كتلة النيوترون هي الأثقل قليلا؟ ))

و العديد العديد من الاسئلة و الاشكالات الحقيقية من الامراض التي لم تعالج و الظواهر الكونية التي لم تقهم الى المحيطات التي لم تخترق قيعانها و الدماغ الذي ما زال صندوقا أسودا و اضف العديد من الظواهر العلمية التي لم تفهم للان

فكيف يدعي العلمويون ان العلم قادر على اختراق جميع المجالات

الخلاصة:

اذا كان العلم التجريبي قاصر على تقديم أجوبة في اشكالات كبيرة داخل حقله التجريبي المادي فأنه من باب اولى عاجز على تقديم الأجوبة في المجالات الاخرى

————————————————————————————————————————–
~
(3)

اختزال الانسان من كل معقد متكون من نفس و روح و جسد الى كينونة مادية و عضوية بيولوجية ثم استدخاله في العالم الحيواني حيث يخضع للقوانين المادية الوضعية فقط
~

” يوضح ذلك الفيلسوف الطيب بوعزة في مقاله شعار “مجتمع المعرفة:

مكمن إفلاس الثقافة في الزمن المعاصر هو أنها أصبحت ذات مدلول نفعي، حيث يُختزل فعل التفكير في الإنتاج بمدلوله الاقتصادي، الأمر الذي يؤكد أن هذا النمط المعرفي الذي يتم التبشير به اليوم، قائم على رؤية اختزالية لمعنى المعرفة ولمعنى الإنسان على حد سواء، حيث يُختزلُ في “الإنسان/الجسد”، وتُختصر قصديةُ المعرفة في معرفة أداتية تُنصت إلى مطالب الجسد فحسب.

و يضيف:
(( فالمعرفة العلمية قد تنحرف إلى مجرد معرفة أداتية مفتقرة إلى ضابط القيم، وهذا ما نراه اليوم جليا في انحراف البحث العلمي نحو صناعة القتل لا صناعة الحياة ))

و ايضا من اشهر الناقدين لهذا التوجه التفكيكي الفيلسوف الفرنسي هنري بيرجسون اذ علق في محاضرته
أشباح الاحياء و البحوث الروحية – التثي القاها في جامعة البحوث الروحية – لندن عام 1913 -:-
(( فاذا جعلتم الظاهرة قابلة لان تحصل في المختبر قبولها راضين، و الا فهي في نظرهم مظنة شك، و ما دام البحث الروحي لا يستطيع أن يتبع منهج الفيزياء و الكيمياء فليس هو بعلمي ))

و هذا فيه من الاختزال الشيء العظيم و انه من المعلوم بالضرورة ان طبيعة الامور الوجودية و الروحية انها غير قابلة للقياس..عكس العلوم و الظواهر المادية
.

“”و الفرق أن سؤال العلم هو سؤال كيفي جزئي، بينما السؤال الديني هو سؤال تعليلي غائي كلي.. فالعلم يكشف لنا عن انتظام العالم وتعالقات ظواهره، وأسبابها، لكنه بتحديده لأسباب الظواهر الكونية ليس بإمكانه أن ينفي وجود مسبب لهذه الأسباب “”
(د.الطيب بو عزة)

و ضحايا هذا التوجه هي القيم الانسانية ابتداءا و الانسان و الكون انتهاءا
.

فالأخلاق و الخير و العدل و المعرفة و التضحية ليس لهما فائدة في هذا التصور و المتتبع للنقاشات الفلسفية سوف يرى لاحقا تصدر نيتيشه و تبنيه لهذا الرأي و يؤسس مدرسته الخاصة التي تتنفي الرحمة و تعبد القوة و يصرح قائلا أن العقل ما هو إلا .غريزة يجب أن تنحصر وظيفتها في حفظ البقاء (الحياة) و يذهب بعدها نيتشه في بحثه المعنون “جنيالوجيا الأخلاق” إلى رؤية موغلة في تسفيه قيم الرحمة والتسامح، إذ يراها مجرد أخلاق الضعف والعبودية لا أخلاق القوة والسيادة
.

و يتبع ذلك الغاء الابعاد الانسانية الفطرية من الانسان تحت حجة انها ليس لهما وجود في عالم المادة.

و تبعات هذا الموقف الواقعية جدا مخيفة و شاذة.
فتاريخ الأستعمار الغربي شاهد و تاريخ المانيا النازية و الاتحاد السوفيتي أكثر حضورا و صراخا على وجه أدعياء النزعة العلموية

فاذا رجعنا تاريخيا علينا بالمرور على الدكتور هانس ايسيل في مختبره داخل معتقلات الحرب النازية حيث يقوم بعمليات استئصال الاعضاء البشرية دون تخدير ليرى اثر ذلك على المعتقلين
و في نفس الوقت كان زميله الدكتور منجل مشهورا بأبحاثه النوعية على التوائم بحيث يفصل كل واحد منهما بغرفة و يقتل او يعذب احد التوائم ليرى اثر ذلك على التوأم الاخر
.

.هكذا بكل بساطة
.

و غيرها من عمليات القتل التي تهدف فقط للاستفادة من أدمغة المعتقلين في ميدان البحوث التشريحية.

و لا يخفى ان هذه الاشكالية احد اسباب تأسيس اعلان هلسنكي لاخلاقيات البحث العلمي في (2/6/1964) والتي تحدد المضمون الانساني واخلاقيات البحوث في مجال العلوم الطبية ….و سوف يبقى هذا الأعلان رغم غرضه الشريف شاهدا على ما .اتركب من جرائم تحت اسم العلم.

و ما زلنا نعاني في عالمنا المعاصر من هذه المشكلة حيث نعاين المصطلح الكاذب ( القتل الرحيم ) للمرضى او الأجنة بغض النظر عن البعد الأخلاقي و الديني للموضوع ….و غيرها من الأشكاليات.

الخلاصة

ان العلم بنزع البعد القيمي و الانساني منه يؤدي الى صناعة الموت لا صناعة الحياة

————————————————————————————————————————–

~
(4)
عقوق اهل النزهة العلموية للفلسفة
~

و القارئ للتاريخ يلاحظ تلك العداوة المفرطة بين معسكري الفلسفة و العلم المادي
.

ستيفن هوكينج وليونارد مولدينوو في كتابيهما التصميم العظيم يعلقان:

(( الفلسفة قد ماتت ولم تحافظ على صمودها أمام تطورات العلم الحديث، وخصوصا في مجال الفيزياء، وأضحى العلماء هم من يحملون مصابيح الاكتشافات في رحلة التنقيب عن المعرفة ))

حتى انه في نهايات القرن التاسع عشر كانت الاسئلة الحاضرة في الحقل الفلسفي هي جدوى الفلسفة في تلك النهضة العلمية الصناعية.

فالوعي الفلسفي الاوروبي في هذا القرن كان هاجسه تجاوز النمط الديني و احلال النموذج العلمي التجريبي

و اطروحات موت الفلسفة بدأت بالاتشار

و هذا التصور من الخطأ الجزاف و يمكن الاستفادة من تعليق الدكتور سلطان العميري موضحا هذا الخطأ:

(( فالعلم التجريبي الحديث – ليس منهجا خالصا في التجريبية، وليست كل مكوناته مستخلصة من الاختبار والملاحظة، وإنما فيه مكونات جوهرية ليست تجريبية، ولا يمكن التحقق من صدقها من خلال التجربة والاختبار؛ لكونها أمورً ا تسليمية، يسلم بها المشتغلون بالعلم، ولم يسبق أن خضعت للتجريب ))

.و لتثبيت قوله فانك لن تسطيع ايجاد عالما واحدا يثبت لك مفهوم ثبات القوانين و السنن الكونية مخبريا انما هي مسلمات تم الاتفاق عليها في حقل فلسفة العلم ثم الاجماع عليها من قبل العلماء

فحينما ينتقد اهل النزعة العلموية المتدينين، تسليمهم القلبي بدون تجربة، فهم بالحقيقة يتهمون غيرهم فيما هم واقعون فيه

و من حيث الاساس لا يوجد نمط تفكيري في العالم المعاصر الا وقد تجد فيه حزمة من الامور المسلمة تم الاتفاق عليها بين اهل هذا المجال و لا تخضع للنقاش فهي مفاهيم مغروسة في العقل البشري فطريا، كالسببية و الاستدلال بالاثر على وجود مؤثر و .غيرها

و لا ننسى ان اصل توالد حقل فلسفة المعرفة و العلم (الابستمولوجيا) بالاساس هو وليد للحقل الفلسفي الوجودي (الأنطولوجيا) ففي احد استنباطات الفيلسوف الطيب بوعزة في مقالته – في مراجعة دلالة الإبستمولوجيا – يعلق:

(( وهنا أشير إلى مسألة إغفال كثير من مؤرخي الفلسفة عن إدراك إسهامها ودورها، وهي أن حصيلة التفكير في الأسئلة الوجودية الكبرى كانت هي المناسبة الدافعة الى أدراك محدودية العقل، ومن ثم فإن السؤال الديني كان هو المهماز الحافز للتساؤل عن إمكانات المعرفة و محدودية أدواتها، ولذا لا بد من إعادة الاعتبار إلى هذا الدور المنهجي الذي قام به هذا السؤال أثناء التأريخ لتبلور الوعي الإبتسمولوجي ))

و هنا نلاحظ دور الفلسفة الوجودية في خلق فلسفة المعرفة التي بدورها انتجت فلسفة العلم و منهجيات البحث العلمي في تجلياتها المختلفة …

الخلاصة

ان العلم المادي هو بالاساس ابن شرعي لكلا الحقليين الانطولوجي و الابستمولوجي فمن العقوق ان يدعى تفرده عن أبويه و عدم حاجته لهما بل من الوقاحة ادعائه تغطيتهما

————————————————————————————————————————–

.و لا اخفكيم اني احببت ان اتناول التصرف النبوي في تحديده للحقول الأبستمولوجية

.فنرى النبي عليه الصلاة و السلام يؤسس الوعي الاسلامي بتحديد الادوات العلمية كلٌ في مجاله

حيث نرى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله تعالى، وأمر بالتفكر في آياته، كما في معجم الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله))

فهكذا اراح العقل الاسلامي من الدخول في متاهات الفلسفة الغربية التي مكثت قرون من ممارسة التفكير الميتافيزيقي القائم على إطلاق العقل إلى الماوراء الى ان تيقنت بمحدودية الإمكان العقلي في بحث هذه المسائل

و على الجانب الاخر قد اعطى العقل الاسلامي مساحته الشرعية و نزل على مرجعية الخبراء مأسسا لشرعية التجربة.

ففي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتا

فقال : ما هذه الأصوات؟! قالوا : النخل يؤبرونه يا رسول الله، فقال : لو لم يفعلوا لصلح، فلم يؤبروا عامئذ، فصار شيصا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال : (( إذا كان شيئا من أمر دنياكم فشأنكم به، وإذا كان شيئا من أمر دينكم فإلي))

ومن المشاهد الدالة ايضا على ذلك نزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الحباب بن المنذر في غزوة بدر، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم لما نزل دون بدر؛ وأتاه خبر قريش، استشار الناس، – فأشار عليه أصحابه، ثم قال الحباب بن المنذر : يا نبي الله
أرأيت هذا المنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم ولا نتأخر عنه، أم هو الحرب والمكيدة ؟
قال :”بل هو الحرب والمكيدة”، قال : فإن هذا ليس لك بمنزل، فانهض حتى نأتي أدنى قليب إلى القوم، فننزله، ثم نغور ما سواه من القلب، ثم نبني عليه حوضا، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أشرت – – بالرأي”،
.فنهض وسار حتى أتى أدنى ماء إلى القوم، وأمر بالقلب فغورت، وبني حوضا على القليب

——-

– فاعطى العقل و التجربة مجالهما و الدين و العقيدة مجالهما –

__________________

في نهاية هذه الرحلة السريعة نلاحظ تهالك هذه النزعة

و اعادة تحديد المساحات التي يستحقها العلم و التي لا يستحقها

و التوازن و الهرمية بين المعارف البشرية من حيث مجالتها و أدواتها

و ان العلم بالنهاية جزء من الحل و ليس خلاصنا النهائي

في الختام نستطيع القول : دع الخبز لخبازه!!

– المراجع –

ظاهرة نقد الدين في الفلسفة الحديثة – رسالة دكتوراة – د.سلطان العميري – جامعة أم القرى

كتاب شموع النهار – الشيخ عبدالله العجيري – مركز تكوين للداراسات

كتاب الأصوليات المعاصرة – روجيه جارودي

الذكرى الخمسون لإعلان وثيقة هلسنكي حول أخلاقيات البحث العلمي – د. عميش يوسف عميش – جريدة الرأي

مقالة محدودية العلم – د.الطيب بو عزة

مقالة في مراجعة دلالة الإبستمولوجيا – د.الطيب بوعزة

مقالة شعار “مجتمع المعرفة” – د.الطيب بوعزة

مقالة لعلم بوصفه قيمة إسلامية بحتة – د.الطيب بوعزة

الفلسفة والعلم من منظور برجسوني – د.الطيب بوعزة – بحث علمي

الأنسان بوصفه حيوانا – د.الطيب بوعزة

الإلحاد من منظور فلسفي – حوار نماء مع المفكر الإسلامي الدكتور الطيب بوعزة

قصور العلم المادي… (من كتاب وهم الشيطان : الإلحاد ومزاعمه العلمية – ديفيد بيرلينسكي – ترجمة وتعليق عبد الله الشهري – مركز دلائل – الطبعة الأولى 1437هـ/2016م )

المنشورات: 1

المشاركون: 1

اقرأ كامل الموضوع