التحيّز الإدراكيّ

كتب @duhman:

هل نحن موضوعيون وعقلانيّون حقّاً؟
لا، لسنا عقلانيين كما نظن.
لماذا؟
في علم النفس الإدراكيّ وعلم النفس الاجتماعيّ، هناك العديد من مظاهر التحيّز الّتي تؤثر على قراراتنا دون أن نعي ذلك بالأساس، وفهم هذه التحيّزات الإدراكية والمغالطات المنطقية يساعدنا على التقليل من أثرها على تصوراتنا وقراراتنا وآرائنا.

من الجيّد أن نسعى لكي نكون عقلانيّين قدر الأمكان، وإلا ستترتب عواقب غير محمودة على كثير من قراراتنا اليومية والمصيريّة. لذلك، سأذكر هنا بعض هذه التحيّزات الإدراكيّة، وعليكم أن تعوا أن بعضتعني بعض، لأنّ هناك أشكالاً أخرى ومتنوّعة من التحيّز بعضها متشابه وبعضها مختلف:

4933424

1- تحيّز الانتباه (Attentional Bias): وذلك عندما يركّز المرء انتباهه على خيار أو اثنين على الرغم من وجود خيارات أخرى مطروحة.

2- التوافر الإرشاديّ (Availability Heuristic): وذلك عندما يبالغ الناس في قيمة معلومة ما لتوافرها لديهم. على سبيل المثال، قد ينحاز مدخّن ما إلى أنّ التدخين غير مضرّ بالصحة لأنّ جدّه ناهز المئة عام من عمره وكان يدخن ثلاث حزم من السجائر يومياً. تدفعه هذه المعلومة لإنكار أنّ جده رحمه الله – ربّما كان ناشزاً عن القاعدة.

3- أثر الاتّقاد المضاد (Backfire Effect): وذلك عندما يقوم أحدهم برفض دليل يتناقض مع وجهة نظره أو ادعائه حتى وإن كان الدليل صحيحاً.

4- أثر عربة الموسيقا (Bandwagon Effect): احتمالية اقتناع الشخص بنقطة معينة تزداد بازدياد عدد الأشخاص الّذين يتبنونها. وهذا أحد أهمّ صور التفكير الجمعيّ في مجتمعاتنا.

5- التحيّز الاعتقاديّ (Belief Bias): هذا التحيّز يظهر عندما يقوم الناس ببناء استنتاجات خاطئة بناء على اعتقاداتهم المتبناة. فمثلاً، قد يظنّ أحدهم أنّ الّذي يستخدم الخطاب الدينيّ بنجاعة ويظهر عليه سمت التقوى هو بالضرورة تقيّ عالم بالدين، ولذلك فإنّ ما يقوله صحيح بالضرورة لأنه يقول كلام الشرع والإيمان. بناء على ما سبق فلا يحقّ لأحد أن يعترض على ما يقول أو يتطاول عليه.

6- النقطة العمياء في التحيّزات (Bias Blind spots): إذا لم تستطع أن ترى تحيّزاتك الإدراكية، فهذا لأنّ لديك تحيّزاً من نوع آخر هو النقطة العمياء عن تحيّزاتك. كلّ منا يظنّ أنه ليس متحيّزاً كما يراه الآخرون، هذا هو التحيّز بعينه.

7- تحيّز إيجابيات القرار المتّخد (Choice-supportive Bias): هذا التحيّز يكون عندما تبدأ في التفكير بإيجابيّات قرار أو اختيار اتخذته دون أخذ مساوئه بعين الاعتبار. قد أبدأ مثلا بذكر أهمية المقالات الّتي أنشرها لي وللقارئ دون الاكتراث إلى أي تأثير سلبي قد يقع عليّ بسبب ذلك.

8- وهم الاجتماع (Clustering Effect): هو الميل للتركيز على الأشياء أو النقاط أو الأحداث المترابطة أو المجتمعة في النتائج أو التشكيلات العشوائية. فمثلاً، تبدأ بالإجابة على أسئلة الامتحان متعددة الاختيار (Multiple Choice Questions) فتتعثر عند سؤال ما، فتجد الخيار أ متكرراً في إجابات الأسئلة السابقة، فتختار أ اعتباطاً على افتراض أنّ احتمال كون أ هو الجواب الصحيح أكبر، في حين كان تكرار أ سابقاً صدفة لعينة.

9- تحيّز الإثبات (Conformation Bias): هو ميل الناس لتصديق معلومة ما لأنّها تُثبت اعتقاداً أو رأياً عندهم بغض النظر عن صحتها من عدمها.

10- تحيّز المحافظة (Conservatism Bias): وذلك عندما يسهل على الناس تصديق الأدلة القديمة على أدلة ظهرت حديثاً حول موضوع ما، إذ ينزع الناس إلى عدم قبول الجديد بسهولة. كأن يرفض أحدهم أنّ الأرض تدور حول الشمس لأنّ أحد شيوخه أو أحد العلماء المتقدمين فهم فهماً معيناً من القرآن، فيُقدّم ذلك على الدليل العمليّ الّذي توصل له العلم في عصرٍ لاحق.

11- لعنة المعرفة (Curse of Knowledge): هذه حال الرجل الّذي يعرف أكثر مما ينبغي“. عندما يكون الناس أذكياء بشكل مبالغ فيه، أو مثقفين بدرجة عالية جدّا، فإنّه يصبح من الصعب عليهم تفهّم العوامّ من الناس والتواصل معهم. المثال الكوميدي على ذلك هو شيلدون كووبر، عالم الفيزياء في المسلسل الأمريكي نظرية الانفجار العظيم” (The Big Bang Theory)، إذ يجد التفاهم مع جارته بينيالّتي تعمل نادلة في مطعم صعباً.

12- أثر الطُعم (Decoy Effect): وهذا يظهر جلياً في عالم التسويق، إذ يجنح الإنسان إلى تفضيل خيار على آخر بعد أن كان محتاراً بينهما إذا تم تقديم خيار ثالث له. كان الخيار الثالث مجرّد طعم ليستقرّ المشتري على أحد الخيارين خوفاً من أن يرغب عن كليهما.

13- أثر الفئة النقدية (Denomination Effect): هو ما يحصل معك عندما تسعى لأن لا تقوم بصرف ورقة نقدية من فئة 50 ديناراً، لأنك إن فعلت ذلك فإن الخمسين ديناراً تتبخر من محفظتك بكل بساطة. تساهلك في إنفاق مبلغ من المال على شكل فئات صغيرة أكثر من لو كانت من فئات كبيرة هو أحد أنواع التحيّز الإدراكيّ.

14- تجاهل المدّة الزّمنية (Duration neglect): عندما تصبح المدة الزمنية لحدث ما غير مؤثرة في قيمة هذا الحدث بالنسبة لنا. قد يكون امتعاضك من موقف لحظيّ بينك وبين أحد زملائك أشدّ وطئا من انزعاجك من آخر طوال فترة زمالتكم.

15- فجوة التعاطف (Empathy Gap): عندما لا يستطيع الناس الّذين يعيشون في البلدان المتقدمة أن يتفهموا ويتعاطفوا مع ما يعانيه المستضعفون في الطرف الآخر من الكوكب. ربما بالغت بعض الشيءعندما لا يستطيع أهل المدينة الّذين يعشون في الضواحي الراقية في رغد من العيش أن يفهموا معاناة أهل المخيمات أو العشوائيات التي قد لا تبعد عنهم مسيرة عشرين دقيقة أو أقلّ. عندما نكون سعيدين فإنه من الصعب علينا أن نفهم كيف يكون الحزن. يعبّر تولستوي عن ذلك في مقولته الشهيرة من (آنا كارينيا) : “العائلات السعيدة كلها متشابهة، لكنّ العائلات البائسة بؤس إحداها مختلف عن الأخرى“.

16- وهم التكرار (Frequency Illusion): عندما تدرك كلمة أو اسماً أو معنى لأول مرة ثم لا تلبث أن تراها وتسمعها في كلّ مكان. كلكم يستطيع أن يجد مثالاً له من تجربته الشخصية.

17- أثر غاليتيا” (Galatea Effect): وغاليتيا اسم عذراء في الأساطير اليونانية. وهذا المصطلح يطلق على من نجحوا لأنهم كانوا يظنون أن عليهم النجاح فدفعهم إيمانهم لتحقيق ذلك. بعض التحيّزات مفيدة!

18- أثر التّقديس (Halo Effect): عندما ينظر الناس إلى خصلة أو خصال جميلة في شيء ما، ثم يربطون ذلك بكل ما يتعلق بهذا الإنسان، أو الحزب، أو الفكر، أو الفريق، أو الزعيم، أو الشيخ دون النّظر إلى عيوبهم أو نواقصهم. لا تحتاج هذه إلى أمثلة، فالواقع مليء بها ?!

19- تحيّز الصعب والسهل (Hard-Easy Bias): يشعر الناس بثقة عالية أمام التحديات السهلة، ويفقدونها أمام التحديات الصعبة.

20- القطيع (Herding): يحبّ بعض شبابنا استخدام هذه الكلمةوعادة ما يكون استخدامها قبيحاً. يميل الناس بطبعهم إلى الاحتشاد، فالإنسان اجتماعيّ بطبعهبحسب ابن خلدون. يزداد هذا الأمر في الأوقات الّتي لا تبدوا الأمور فيها واضحة للناس، كالفتن والحروب والانتخابات والصراعات الطائفية والمذهبية والفكرية إلخ. الطيور على أشكالها تقع!

21- تحيّز الإدراك المتأخر (Hindsight Bias): ما نوهم به أنفسنا عندما نقول : “والله كنت عارفعند حصول أمر ما وكأننا توقعنا حصولهلا تصدق نفسك فغالباً لن يصدقك الآخرون.

22- الحسم المُغالي (Hyperbolic Discounting): (حسم) أصوب من (خصم) ولكن ليس هذا موضعنا. نفضّل أن ندفع 5 دنانير على خدمة الجوال أسبوعيا على دفع 15 ديناراً شهرياً لذات الخدمة، أو العكس، أفضّل أن أحصل على 20 ديناراً يوم الخميس على أن أحصل على 30 يوم الأحد.

23- أثر الفكرة الحركيّ (Ideomotor): وهو أن تتسبب فكرة تخطر على بال أحدنا بردّة فعل حركيّة لا واعية، كأن تتسبب نكتة سمعتها أمس في جلسة ولم تفهمها وقد فهمتها لتوّك في أن تضحك وسط النّاس كالأبله. وقد يكون الأمر أبسط من ذلك، أن تتذكر حدثا ما فيؤثر ذلك على حدّتك أو لينك في التعامل مثلاً.

24- وهم التحكم (Illusion of Control): نزوع البعض للمبالغة في ثقتهم في قدرتهم على التأثير على أحداث معينة، كأن يظنّ مشجع الفريق الفلانيّ أن اللاعبّ الفلانيّ قام باستخدام الحركة الفلانيّة بعد أن قام الأول بالصراخ على شاشة التلفاز طالباً إياه أن يقوم بها، فيشعر بالنشوة كأنه صانع الهدف.

25- وهم الشرعيّة (Illusion of Validity): نعم، هذا نوع من التحيّزات الإدراكية. عندما تتوارد معطيات ضعيفة بشكل متتالٍ فتجعلك واثقاً مما ستبنيه عليها. كأن تجري انتخابات رئاسية فتتقارب النتائج بين مرشَّحَين مثلاً ويُستبعد الباقي الّذين حصلوا على أكثر من نصف الأصوات مجتمعين، فتتم إعادة الانتخاب بين الاثنين فيفوز أحدُهما بفارق بسيط فيتوهم أنصاره أنّ الرئيس المنتخب اكتسب شرعيته من غالبية الشعب. ذات الأمر ينطبق على رئيس منقلب (على سبيل المثال) ترشح للانتخابات في مقابل لا أحدفذهب نساء وعجائز الدولة وطبّالوها لانتخابه والرقص على أبواب المقارّ الانتخابية، ليحصل بعد جهد جهيد على بضع وتسعين بالمئة كاذبة، فيتوهم البعض أنّه تولى باختيار الشعب الحرّ. هذه أمثلة تخيلية لتقريب الصورة فقط!

26- التحيز إلى جمع المعلومات (Information Bias) يسعى البعض إلى الحصول على معلومات أكثر حول أمر ما حتى وإن كانت هذه المعلومات لن تغيّر من قراراتهم. أحياناً تكون العلومات الزائدة عن حدها ضرراً يلحق بطالبها.

27- التحيز إلى المجموعة (Inter-group Bias): عادة ما ننظر إلى من ينتمون إلى مجموعتنا الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية بشكل مختلف عن من هم خارج هذه المنظومة. يُعرف هذا التحيّز أيضا بـ هم ونحن” (Us and Them).

28- التصعيد غير العقلاني (Irrational Escalation): يظهر هذا في الاستثمار أو المقامرة أو حتى في الألعاب والتحديات. حينما تلعب بورق الشدة مع أصدقائك بعد خسارات متتالية لك، فإنّك تميل إلى اللّعب بتهور أكثر على الرغم من أنّك غالباً سوف تخسر!

29- أثر الأقل أفضل (Less-is-more Effect): أتذكرون صديقتنا بينيمن نظرية الانفجار العظيم؟ كثيراً ما استطاعت التوصل إلى الاستنتاج الصحيح في بعض الأمور في مقابل جارها العبقريّ شيلدونلأنّ تفكيرها ببساطة ليس معقداً كتفكيره الّذي سرح به الأكوان متغاضياً عن ضالّته القابعة تحت أنفه.

30- الانحياز إلى السلبية (Negativity Bias): وهو الميل إلى التركيز على التجارب السلبية أكثر من النتائج الإيجابية. إذ يشعر الناس أن أثر التجارب السلبية أكبر من الناجحة، فالأخيرة صامتة. هذا يجعلهم يشعرون بالتهديد حيال مرورهم في تجربة مشابهة أكثر من إدراكهم لفرصة النجاح مما يجعلهم متخوفين من الفشل أكثر.

31- أثر توقع الملاحِظ (Observer-expectancy Effect): تؤثّر توقعاتنا لا إرادياً على كيفية نظرنا للنتائج. في مجال البحث العلميّ، مثلا، نسعى للحصول على النتائج المرجوّة من تجربة ما، مما يدفعنا لتفسير النتائج المحصول عليها على أنها ناجحة وإن لم تكن كذلك. ولهذا، فقد تم وضع تصميم تجريبي في التجارب البحثية لهذا السبب بالتحديد، ويسمى مزدوج التعمية” (Double-Blind).

32- انحياز الإغفال (Omission Bias): النزوع للحكم على الأفعال المؤدية لنتائج سيئة بصورة أشدّ من الحكم على التغافل عن شيء ما مما سيؤدّي لنفس النتائج السيئة. نحن لا نعتبر السكوت عن الظلم، مثلاً، سيئاً كسوء الحثّ عليه وإن كانا كليهما يؤديان لنفس النتيجة.

33- أثر النعامةّ (Ostrich Effect): يقول الشاعر: “أثر النعامة لا يُرىرأس النعامة في الحضيض“…حسناًربما لم يقلها الشاعر، ولكنّ المشتهر عند النّاس أنّ النعامة إذا شعرت بالخطر فإنها تدفن رأسها في الطين أو الرمل. لن أتكلّم هنا عن تحيّز من سمى هذا النوع من التحيز ضد النعامة فهي ليست بهذا الغباء وإنّما تفعل ذلك لاستشعار الحركة من حولها أو وجود هزة أرضية. لكنّ بعض الناس أغبياء حقّاً إذ يدفنون رؤوسهم في الجهل ليتواروا من نور المعرفة. يقوم البعض، مثلاً، بتجاهل الأخطار المحيطة بهم و يدفنون رؤوسهم في التراب كالشاهد (اللّي ما شافش حاجة) وهم لا يدرون أنّهم أُكلوا يوم أكل الثور الأبيض، فسمي ذلك بأثر النعامة بدل أن يُسمى الثور الأبيض، ربما لأن الثيران ليست بيضاً!

34- التحيّز إلى الغاية (Outcome Bias): وهو ما يشتهر عندنا بقول الغاية تبرر الوسيلةولكنّها هنا بمفهوم أعمّ وأشمل. فبعضنا يهمه أن ينجح في مادة ما لا أن يدرس لها ويفهمها فيعتمد على أي وسيلة كانت لتحقيق الغاية.

35- فرط الثقة (Overconfidence): ثقتنا العمياء بقدراتنا قد تدفعنا للمخاطرة أكثر في حياتنا.

36- فرط التفاؤل (Overoptimism): وهذه خاصة بجماعة الحياة حلوة والدنيا جميلةالّذين يظنون أنّ العالم ورديّ وأفضل مما هو عليه في الواقع. ولذلك فإنهم لا يكونون مستعدين لمواجهة الذئاب الشرسة وكلاب اللّيل الضالّة المضلّة. عدم قدرتنا على تقبل فكرة أن هذا الكون يحتوي بشراً حيوانات (بعيداً عنكم) يجعلنا هبايللحومنا عارية أمام مخالبهم.

37- فرط التشاؤم (Overpessimism): وهذه نقيضة سابقتها. وهؤلاء المتشائمون مساهمون مع السيئين المذكورين أعلاه في جعل النتائج سلبية.

38- أثر الاستغفال (Placebo Effect): يشتهر مصطلح بلاسيبوفي الأبحاث الدوائية عندما يُعطى المشارك دواء على أنه مخفف للآلام، فيخفّ ألم المشارك فعلاً على الرّغم من أنّ الدواء ملبسمما اعتدنا على شرائه لمّا كنا صغاراً (لا تنكروا!). كلّ ما في الأمر أنّ المشارك صدّق أن حبة الدواء هذه حقيقية فتوهّمت نفسيته ذلك فشّفي. كذلك في حياتنا، قد نصدّق كذبة ما ونظلّ نصدقها حتى تصبح حقيقةنحن مغفلون فعلاً! لسنا جميعنا كذلك كي لا أكون متحيزاً.

39- مغالطة الركون للتخطيط (Planning Fallacy): من منّا لم يضع برنامجاً له للدراسة خلال عطلة نهاية الأسبوع محدداً دراسة هذا الكمّ من المواد الّذي سيأخذ منا ذلك العدد من الساعات، ثم نجد في نهاية العطلة أننا لم ننته من نصف ما خططنا له؟ الأنكى من ذلك أننا نكرر الوقوع في ذلك مراراً وتكراراً.

40- تسويغ ما بعد الشراء (Post-purchase Rationalization): عندما تقوم بشراء جهاز هاتف معيّن مثلاً، فإنّك ستقنع نفسك أنّ هذا الهاتف هو الأفضل على الإطلاق، وأنّه يستحق كل فلس دفعته ثمناً له.

41- التحيّز للابتكار (Pro-innovation Bias): وهو التحيز لفكرة إبداعيّة أو ابتكارٍ قمت به لتنظر إلى حسناته وتتغافل عن سقطاته. عادة ما يجد طالب الهندسة المتخرج صعوبة في التقليل من شأن فكرته الألمعية لمشروعه والبحث عن نواقصها لإعجابه بها، فينصدم بكمّ التحقير الّذي يحصل عليه من مشرف المشروع، والسبب أن المشرف يرى العكس تماماً!

42- التسويف: وهو أن يفضّل الإنسان يومه على الاستثمار للمستقبل. عندما نؤجّل عمل اليوم إلى الغد فإننا آثرنا الاستمتاع باليوم على الاستمتاع بالغدهذا كلّ ما في الأمر، وليت الأمر يقف هنا.

43- المُفاعلة المجاكرة” (Reactancy): وهو أن يقوم المرء بعمل النقيض مما طُلب منه لمجرّد إثبات أن لديه الحريّة في القيام بما يريد.

44- الجِدّة (Recency): وهي عكس المحافظة، وتعني أنّ بعضنا يُقدر الجديد أكثر من القديم لمجرد أن هذا جديد وذاك قديم.

45- المُماثلة (Reciprocity): وهي أن نظنّ أنّ من الإنصاف أن نناصر القيم والآيديولوجيات الأخرى حتى لو كانت مناهضة لما نراه صحيحاً تحت مسمى الإنصاف والموضوعية وعدم الانحياز. وقد نجد هذا الأمر عند بعض المنتسبين لليبرالية بشكل واضح ولا يعني عدم وجوده عند غيرهمهذا بحدّ ذاته انحياز.

46- انحياز التقهقر (Regression Bias): وهو أن يأخذ البعض موقفاً معيناً تحت الضغط في ظروف شديدة، فإذا زالت الشدّة نسبوا الفضل لأنفسهم في حين أن الأمور عادت لطبيعتها وحسب. مثال ذلك المنافقون والمتسلقون وحسبكم.

47- انحياز ضبط النفس (Restraint Bias): قد يظن الشابّ المؤمنّ أنّه عصّي عن الفتن لأن تقواه وورعه يمنعانه، وينسى أنّ نبي الله يوسف عليه السلامكاد أن يهمّ بامرأة العزيز لولا أن رآى برهان ربّه.

48- الجلاء (Salience): نركّز عادة على ما يبدو جليّا في شخصٍ أو شيءٍ ما ونغفل عن الصفات الأخرى لشدّة ظهوره وجلائه.

49- وهم الرعاع (Seersuckers Illusion): وقد يسمّي عند المناطقة بـ الاحتكام للسلطة (Appeal to Authority) وليست السلطة هنا ضرورةً السلطة السياسيّة، وإن كان ذلك المسمى مستخدماً في سياق مختلف بعض الشيء إلا أن المنطلق واحد. إذ يعتمد البعض في شتّى جوانب حياتهم على آراء وتوقعات من يحسبونهم أهل خبرة في مجال ما تجنّباً لتحمًل مسؤوليّة القرار. ولأن كثيراً من أهل الخبرةأدعياء، فمن السهل أن نجد لكل دعيٍّ رعاعه.

50- الملاحظة الانتقائية (Selective Perception): وهو عندما نجعل توقعاتنا تؤثر على فهمنا لهذا العالم. وهي تتشابه مع أنواع أخرى ذكرتها وسأذكرها لاحقاً.

51- الانحياز في نقل الصورة دعماً للذات (Self-Enhancing transmission Bias): وهي أنّنا عادة ما نُظهر مناقبنا ونجاحاتنا أكثر من مشاكلنا وفشلنا بشكل غير إراديّ. هذا بدوره يؤدّي إلى تصور خاطئ عن الحقيقة من قِبلنا وقِبل الآخرين مما يمنع من تقييم الأمور بدقّة.

52- الانحياز للوضع الراهن (Status Quo Bias): وهو الميل للمحافظة على الأمور كما هي وإن كانت سيئة. أن يرضى شعب ما في دولة ما بحاكم ظالم لأنهم اعتادوا العيش تحت سطوته، أو أن يرضى الموظف بوظيفته الوضيعة لأنه رضيان والحمد لله، وعلى ذلك فَقِس.

53- التصوير النمطيّ (Stereotyping): وهو التصوير المسبق لمجموعة من البشر أو لمنظومة اجتماعية معينة على أنّ أفرادها لديهم صفات معينة بحيث يوصَم أي فرد منهم بهذه الصورة دون معرفة ما إذا كانوا حقّاً كذلك أم لا. وهذا هو منبع الأحكام المتسرعة (Snap Judgments) الّتي أشار إليها مالكوم جلادويل في كتابه التفكير اللماح” (Blink). لمجرد معرفتك أنّ فلاناً من عائلة فلان أو جماعة كذا أو من مدينة أو دولة كذا، تجد نفسك قد بنيت صورة عن هذا الشخص أنه كذا وكذا لمجرّد أنّه كذا: هو مسلم، إذن هو إرهابي، هو أميريكي، إذن هو عنصريّ…وهكذا. وغالباً ما تكون هذه الصور النمطية خاطئة وكاذبة، وحتى لو كانت هذه الصورة تنطبق على شريحة من هذه المنظومة الاجتماعيّة فإن التعميم على سائر الأفراد جائر وتعسفيّ.

54- الانحياز إلى الديمومة (Survivorship Bias): هذا الخطأ ينتج من التركيز على النماذج والمشاريع الّتي دامت طويلاً مما يجعلنا نحكم عليها بصورة خاطئة، إذا لا نأخذ بعين الاعتبار النماذج الّتي لم يُكتب لها النجاح. وقد يكون هذه التحيّز معاكساً للتحيّز السلبي الّذي ذكرته سابقاً. كم تصدّعت رؤوسنا بنجاح التجربة في الدولة الفلانيّة في حين يتغاضى البعض عن التجارب الفاشلة في دول أخرى؟

55- مأساة الشائع (Tragedy of The Commons): يستنزف الناس كل ما هون شائع أو عامّ لأنّهم يظنّون أن لا أحد مهتمّ بالمحافظة عليها. هل نتعامل مع الحمّامات العامّة كما نتعامل مع حمّامات بيوتنا؟ هل نحافظ على مكان جلوسنا إذا خرجنا في نزهة في منطقة طبيعية بعد انتهائنا منها؟ كلّ سلوك نقوم به نفضّل فيه مصالحنا الشخصيّة المحدودة على المصلحة العامّة يدخل ضمن هذا الإطار.

56- انحياز الوحدة القيميّة (Unit Bias): يظنّ الناس أنّ هناك قيمة معينة لشيء معين هي القيمة الأمثل أو الأنسب بحيث يتعارف الناس عليها أنها كذلك. نحن لا ندرك أنّ هذه القيمة تتغير بتغير الوحدة دون أن نعي ذلك. إذا اعتدت العيش في بيت من طابق واحد مع أسرتك ثمّ انتقلتم للعيش في بيت من طابقين فإنه يصعب عليك العودة للبيت السابق لأنك ستراه صغيراً وغير ملائم. إذا اعتدنا على أكل وجبة شاورما من الحجم العاديّ فإنّنا نكتفي بها، ولكن إذا قرر أحد يوماً أن يأكل شريحة من الحجم الأكبر لأنه جائع ثم وجد أنه أنهى الوجبة بسهولة، فإنه غالباً ما سيجد الوجبة العادية غير كافية في المرة المقبلة.

57- الانحياز لانعدام المخاطرة (Zero-Risk Bias): وقد تبدو هذه متكررة أيضاً. وهي أن يفضّل النّاس أن تكون المخاطر قليلة والنتائج صغيرة على أن تكون المخاطر كبيرة والنتائج عظيمة. حتى في حياتنا اليومية فإننا نفضّل السيطرة على أمور بسيطة أكثر من سيطرتنا على أمور كبيرة تكون النتائج فيها غير متوقعة. وقد يكون هذا معيار تفاضلٍ بين الناس، إذ تشتهر عند الاقتصاديين مقولة كلما ازدادت المخاطرة ازداد العائد” (The higher the risk, the higher the return).

58- انحياز المقارنة الاجتماعيّة (Social Comparison Bias): وهو البغضاء و الشعور بالتنافسية تجاه شخص ما لأنه يبدو عليه أنه أفضل منك في جانب ما، سواء جسدياً (او جماليّاً)، أو عقلياً (أو دراسياً)، أو علمياً، أو ثقافياً، أو مادّيا، أو اجتماعيّاً. وهذا أقرب ما يكون لما نسميه بعقدة النقص (Inferiority Complex).

59- الواقعيّة الساذجة (Naïve Realism): وهي الاعتقاد بأن ما تظنّه واقعاً وحقيقة هو ما عليه الواقع بالفعل. وأنك تنظر إلى الواقع بموضوعية ودون تحيّز، وأن الأمور واضحة وضوح الشمس في صفحة السماء، وكلّ شخص عاقلٍ لا بدّ يرى ما ترى. أما من ينظر للواقع نظرة مغايرة فهم بنظرك إما جاهلون أو متقاعسون أو غير عقلانيين أو منحازون، إلى غير ذلك من المسمّيات.

60- التحّيز البصريّ (Perceptual Bias): وقد تعمّدت أن أذكره في النّهاية، إذ لا أدلّ عليه من القضيّة الّتي شغلت العالم بأسره مؤخّراً ولم يستفد منها إلا محلّ ألبسة أنجليزيّ يبيع هذا الثوب الّذي وقع عليه الاختلاف، هل هو أزرق وأسود، أم أبيض وذهبيّ؟ سارع النشطاء العلميون والمواقع العلمية إلى بيان التفسير العلميّ لذلك، وهو أنّ عقولنا تقوم بموازنة ألوان ما نرى لتبدو لنا أقرب للألوان الحقيقية بالمقارنة مع الخلفيّة المستخدمة كمرجع بسبب الإضائة. ويختلف النّاس بين هذا وذاك. لكن، لو عاد بنا الزمن للوراء ورأينا الصورة لأوّل مرة، هل من الممكن أن نراها بشكل مختلف عمّا رأيناه؟ ربّما، لكننّا لا نستطيع فعل ذلك الآن لأن أدمغتنا قامت بالاحتفاظ بهذه الموازمة اللونية ومن الصعب على الكثيرين منّا تغييرها. لذلك لا بستطيع من رأى اللون الأزرق أن يجبر نفسه على رؤية الأبيض في الثوب. قد يكون هذا تحيّزا فيسيولوجيّاً، لكنّه ينطبق على النفس والمجتمع أيضاً.

أي تلك التحيّزات أعجبكم؟

للمهتمّ بالمقال الأصليّ الّذي نقلت منه بتصرّف:
http://www.businessinsider.com/cognitive-biases-2013-8?op=1

وللاطلاع على القائمة كاملة على موقع ويكيبيديا (باللغة الإنجليزيّة):
http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_cognitive_biases

المنشورات: 1

المشاركون: 1

اقرأ كامل الموضوع