النزعة الإنسانية و الإلحاد

كتب @tareq.hameda:

فِي الْفَضَاءِ الْعَوْلَمَيِّ الَّذِي نُعَيِّشُهُ الْيَوْمَ لَا نَسْتَطِيعُ اغفال النِّقَاشَاتِ الَّتِي تَدُورَ الْيَوْمُ حَوْلَ اخلاق غَيْرَ الْمُتَدَيِّنِينَ وَكَوْنَ الدَّيْنِ حَاجَة زَائِدَةٍ بِدَليلِ وُجُود مُلْحِدِينَ أَوْ لَا ادريين مَشْهُورِينَ بِالْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ الْوَاسِعِ أَوْ خدمة الْبَشَرِيَّةِ أَوْ التَّبَرُّعَاتُ الْمَالِيَّةُ الضَّخْمَةُ, يَصْحَبَ ذَلِكَ اِسْتِغْلَاَل نَمَاذِج التَّدَيُّنِ الْخَاطِئَةِ و تَعْمِيمَهَا و الْبَدْءَ بِالْهُجُومِ عَلَى الاديان بِلَا هَوَادَةٍ.

و عَلَى الْجَانِبِ الاخر لَا نَسْتَطِيعُ ايضا التَّغَافُلَ عَنِ ازمة انسانية حَاضِرَةَ اعلنت عَدَم الْقدرةِ عَلَى حُفَّظ الأنسان اُثْرُ مُوِّتَ الْوَجِهَةُ و فَقُدَّانِ الْمُعَنَّى و ازمة عَدَم الْقدرةِ عَلَى حُفَّظ الايمان اُثْرُ خُطَّاب مَوْت الاله الْفَلْسَفِيَّ الَّذِي بَدَأَ قَدِيمَا بِالْحَرَكَةِ التَّنْوِيرِيَّةِ الْفَلْسَفِيَّةِ ثُمَّ أصلَهُ نيتشه و خِصْبَهُ فوكو و اينعه فوكوياما, لِنَدْخَلُ فِي مَسَارّ تَأْلِيهِ الانسان ثُمَّ تَأْلِيهِ الْمَادَّةَ و بَعْدهَا تَأْلِيهِ الْعَبَثَ .

و فِي هَذَا الْبَحْثَ احاول ان اِسْتَقْرَأَ الْفَلْسَفَةُ الانسانية, كَمَا يَعْرُفُهَا اصحابها و اتتبع تَارِيخَهَا ثُمَّ اُقْدُمْ مَا اراه مُنَاسِبًا كنقدا فِي اِهْمِ الاشكالات .

المفهوم

مِنَ الْمَعْلُومِ ان الْمَفَاهِيمَ الْاِجْتِمَاعِيَّةَ هِي مَفَاهِيمُ مَطّاطِيَّةُ يَصْعُبَ غَالِبَا تَحْدِيدِهَا و يَمُكَّنَّ مُلَاَمَسَةُ الدَّقَّةِ اُكْثُرْ بُقول ان اِتِّبَاع النّزعةِ الْإِنْسَانِيَّةِ يَخْتَلِفُونَ بِفَلْسَفَتِهِمْ و رُؤْيَتَهُمْ إِلَى الْحَيَاةِ لَكُنَّ نُحَاوِلُ ان نُقَارِبُ هَذَا الْمَفْهُومَ.

فَتَعْرِيفَا: الْإِنْسَانِيَّةُ هِي مَجْمُوعَةُ مِنْ وَجِهَاتِ النَّظَرِ الْفَلْسَفِيَّةِ والأخلاقية الَّتِي تَرْكِزُ عَلَى قَيِّمَةٍ وَكَفَاءةِ الْإِنْسَانِ، سَوَاءٌ كَانَ فَرَدَّا أَوْ جَمَاعَةٌ، وَتَفْضُلَ عُمُومَا التَّفْكِيرِ وَالْاِسْتِدْلَاَلِ( الْعَقْلانِيَّةَ، التَّجْرِيبِيَّةَ) عَلَى الْمَذَاهِبِ أَوْ الْعَقَائِدَ الثَّابِتَةَ أَوْ الْمَنْزِلَةَ. (1)

تُنَوِّعُ مَعَانِي مُصْطَلَحُ الْإِنْسَانِيَّةِ جَعَلَهُ غَامِضًا، فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ اِلْتِبَاس مُسْتَمِرِّ بِاِسْتِخْدَامٍ هَذَا الْمُصْطَلَحَ لِأُنَّ حَرَكَاتُ فَكَرِيَّةُ مُخْتَلِفَةُ كَانَتْ قَدْ عُرِفَتْ نَفْسهَا بِاِسْتِخْدَامِهِ عِبَرِ الزَّمَنِ.(1)

و يُمْكِنَ تَلْخيصُ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ بِهَذِهِ النِّقَاطَ الَّتِي وَرَدَّتْ فِي الْإعْلَاَنِ الْإِنْسَانِيِّ الاول و الثَّانِي و الثَّالِثَ (2,3,4,5):-

نتيجة بحث الصور عن ‪humanist manifesto‬‏

1- يُرَكِّزُ اِتِّبَاعٌ هَذَا التَّيَّارِ عَلَى أهَمِّيَّةٍ الاخلاق وَذَلِكً لِأُثَرْهَا النَّفْعِيَّ عَلَى حَيَاةٍ الانسان الْمَادِّيَّةَ و يُؤَكِّدُونَ عَلَى عَدَمِ ضَرُورَةِ وُجُودِ إلَهٍ أَوْ دِينُ لِيَكُونُ الانسان أخلاقياً أَوْ صَاحِبُ تَقْديرٍ لِلْقَيِّمِ الأخلاقية

2- يُؤَمِّنُونَ بِضَرُورَةِ وُجُودِ مُؤَسَّسََاتٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ و تَعْلِيمِيَّةُ تُعَزِّزُ هَذِهِ الْقَيِّمَ الأخلاقية و التَّأْكِيدَ عَلَى عَدَمِ ضَرُورَةِ اِرْتِبَاطِهَا باي مَصْدَرِ خَارِجِيٍّ كَانَ دُنْيَوِيَّا كَتَوْجِيهَاتٍ سِياسِيَّةٍ أَوْ قِيمَ مُتَجَاوِزَةٌ كَعَقَائِدِ دِينِيَّةٍ

3- يَرْفِضُ الانسانيون الاقوال الَّتِي تَدْعِي وُجُودَ أَزْمَةِ مَعْنَوِيَّةٍ و ان الدِّينَ ضَرُورَةً لِحَيَاةٍ الانسان و يُذْكَرُونَ حَيَوَاتً أينشتاين و مَارُي كُورَِيٍ و داروين كَحَيَوَاتِ ثَرِيَّةٍ و مُؤَثِّرَةً و مَلِيئةَ بِالْمُعَنّى

4- لَا يُؤَمِّنْ أَتُبَاعُ هَذَا التَّيَّارَ بِوُجُودِ حَيَاةٍ اخرى و انما هِي حَيَاةُ وَاحِدَةٌ = الْمُتَمَثِّلَةُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيا

5 – لَا يُوجَدُ خُطُوطُ حَمْرَاءُ امام الْعِلْمَ و الْعَقْلَ فَكُلُّ الظَّواهِرِ ( الْإِنْسانِيَّةُ الدِّينِيَّةُ و الْمَادِّيَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ ) قَابِلَةٌ لِلدِّرَاسَةِ و التَّشَكُّكَ , هَذَا سَوْفَ يُوَصِّلُنَا إِلَى النُّقْطَةِ السّادسَةِ

6 – الإنسانويون إِمَّا مُلْحِدُونً وَإِمَّا عَلَى الْأقلِ لَا أَدَرَيُونً , إِنَّهُمْ يَتَشَكَّكُونَ فِي الزَّعْمِ بِوُجُودِ إلَهٍ أَوْ آلِهَةٌ ، وَكَذَلِكَ يَتَشَكَّكُونَ فِي وُجُودِ الْمَلاَئِكَةِ وَالشَّيَاطِينَ وَغَيْرَهَا مِنْ مِثْلُ هَذِهِ الْكِيَانَاتِ فَوْقَ الطَّبِيعِيَّةِ

7 – الإنسانويون يَقِفُونَ عَلَى الْحِيَادِ مِنْ حَيْثُ عَلاَّقَةِ الدَّوْلَةِ بِالدِّينِ , فَهُمْ يُتْرَكُونَ حُرِّيَّةَ الْاِعْتِناقِ الاديان للافراد فَهُمْ ضِدٌّ ان تُجْبِرَ الدَّوْلَةَ اُحْدُ عَلَى الالحاد و ضِدًّ ان تُجْبِرَ الدَّوْلَةَ اُحْدُ عَلَى الدِّينِ

8 – الإنسانويون لَدَيهُمْ تَصَوُّرً يوتيوبي عَنْ مُسْتَقْبَلِ الْحَيَاةِ بِوُجُودِ الْعِلْمِ الَّذِي سَيُقْوَدُ الْبَشَرِيَّةُ الى عَالَمُ مَلِيءٌ بِالسَّعَادَةِ و الرِّضا

9 – لَا يَرْفُضُ الإنسانويون الْمَنَاهِجَ العقائدية فِي الْإِجَابَةِ عَنِ الْأسْئِلَةِ الأخلاقية وَالسِّياسِيَّةُ وَالْاِجْتِمَاعِيَّةُ فَحَسْبً ، بَلْ إِنَّهُمْ يُؤَيِّدُونَ بشدةٍ اِسْتِحْدَاثَ بدائلِ وَضْعِيَّةٍ ، وَعَقْلانِيَّةٌ ، مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الإنسانويين لَا يَعْتَبِرُونَ الدينَ زائِفًا وَحَسْبَ وَإِنَّمَا بَعْضُهُمْ يراه خَطَرًا و شَرًّا عَظِيمًا .

و هُنَاكً تَسْجِيلً مَرِّئِي اصدرته الْجَمْعِيَّةَ الانسانوية الْبرِيطانِيَّةُ يُقَدِّمُ شَرْحُ مُوجَزٌ لِلْمَفْهُومِ تَحْتَ عُنْوَانٍ , مُقَدَّمَةٌ للإنسانوية – الْإلْحَادُ الْإِنْسانِيُّ , حَيَاةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ , حَيَاةٌ اخلاقية بِدونِ دِينٍ

تَارِيخُ الْمَفْهُومِ و النَّزْعَةَ

حَاوَلْتِ فِي هَذَا السِّياقِ ان اتتبع مِحْوَرَيْنٍ

الْمِحْوَرُ الاول هِي الْمُحَاوَلََاتُ التّارِيخِيَّةَ الاولى لِتَقْديمِ فَلْسَفَةٍ اخلاقية انسانية فِي الْحَراكِ الْبَشَرِيِّ دُونَ نُزُوعِ دِينِيٍّ قَبْلَ النَّهْضَةِ الاوروبية التَّنْوِيرِيَّةَ و مَرَاحِلُ تَطَوُّرٍ و نُضُوجُ الْخِطَابِ الْإِنْسانِيِّ الْمُعَاصِرِ مِنْ عَصْرِ النَّهْضَةِ إِلَى عَصْرِ التَّنْوِيرِ إِلَى زَمَنِنَا الْحالِيِّ .

الْمِحْوَرُ الثَّانِي الْمَنْظَرَيْنِ الْأسَاسَيْنِ و الْأُطْروحَاتُ الْفَلْسَفِيَّةُ الْمَرْكَزِيَّةُ الَّتِي دَفَعْتِ بِعَجَلَةِ تُشَكِّلُ النَّزْعَةَ .


لَعَلَّنَا نصطدم فِي اول خَطْوَاتٌ هَذَا التَّتَبُّعِ التَّارِيخِيِ بِالْقَاعِدَةِ الأخلاقية ” الذَّهَبِيَّةُ ” الْقَائِلَةُ :- عَامَلَ الآخرين كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوكَ

فَبُدِئَا مِن شَرِيعَة حَمُورابِيّ الْوَثَنِيَّة الَّتِي تَعَوُّد إِلَى ( 1780 قَبْل الْمِيلاَد ) و إِلَى الْمِثَال اُكْثُر وُضُوحا الْمُتَمَثِّلَ بِمَدْرَسَة كونفيشوس الْفَلْسَفِيَّة ( 479 قَبْل الْمِيلاَد ) قَد عُمِلُوا بِهَذِه الْقَاعِدَة دُون ايعازاها الى مَصْدَر دِينِيّ .

ثُمّ إِلَى الْيُونان الْقَدِيمَة ( 490 قَبْل الْمِيلاَد ) الَّتِي تُمَثِّل أهَمِّيَّة تارِيخِيَّة لَدَى الأنسانيون فَالْفَلاَسِفَة كطاليس وأناكسيماندر وأنكسيمانس و هُم مِن أَهَمّ مِن نَظَر لازاحة كُلّ مَفْهُوم دِينِيّ عَن التَّصَرُّف الْبَشَرِيّ , و مِن اللَّطِيف ذَكَر ان الْفَيْلَسُوف أناكسيماندر قَد قُدِّم تَفْسِيرَات لِخَلِق الأنسان بِنَاء عَلَى تَطَوُّرِه مِن مَخْلُوقَات بَحْرِيَّة مُعْتَمَدا عَلَى السِّجِلّ الأحفوري .

كَذَلِك الْفَيْلَسُوف الْيُونانِيّ بروتاجورس الْمَنْظَر الاخلاقي الْإِنْسانِيّ الْأَكْثَر وُضُوحا فِي عَصْرِه فَقَد اسس اِسْتِدْلاَلَه بِشَأْن الْأَخْلاَق وَالْفَضِيلَة دُون أَيّ اِعْتِماد عَلَى مَذْهَب أَو مُعْتَقَد دِينِيّ .

نرى ذَلِك حاضِرا فِي أَقْوَالِه :-

– بخصوص مَسْأَلَة الْآلِهَة ، لَا سَبِيل لِي إِلَى مَعْرِفَة إِنّ كَانَت مَوْجُودَة أَم لَا ، أَو مَا الشَّكْل الَّذِي قَد تَكُون عَلِيُّه ، بِسَبَب غُمُوض الْمَوْضُوع وَقِصَر حَيَاة الْإِنْسان (2)

– الإِنْسان هُو مِقْيَاس كُلّ شَيْء ، هُو مِقْيَاس وُجُود مَا يُوجَد مِن الْأَشْيَاء ، وَمِقْيَاس عَدَم وُجُود مَا لَا يُوجَد مِنْهَا (2)

كَمَا أَنّ أرسطو ( 384 – 322 قَبْل الْمِيلاَد ) ذُو أهَمِّيَّة لَدَى الإنسانويين ؛ خَاصَّة لِأَنَّه أُسُس لِمَفْهُوم أخْلاق الْفَضِيلَة الَّتِي تُرَكِّز عَلَى أهَمِّيَّة تَكْوِين شَخْصِيَّة صَالِحَة ، لَا عَلَى الْقَوَاعِد أَو الْعواقب .

و كَثِيرا مَا تُتْلَى بِجَنَازََات الإنسانويين الْيَوْم قول أبيقور :

(( سَواء لَم يَكُن لِي وُجُود ، أَو كَان لِي وُجُود ، أَو لَيْس لِي وُجُود الْآن ، فَأَنَا لَا أَكْتَرِث ))

و لَعَلّ أَهُم فَيْلَسُوف إغريقي مِن وَجِهَة نَظُرّ الإنسانوية هُو إبيقور ( 341 قَبْل الْمِيلاَد ) و ذَلِك لانَه حَاوَل تَقْديم أَسَلْوَِي حَيَاة هَانِئَة و سَعِيد بِنَفْيِه لِتَدْخُل الألهة و عَدَم أهَمِّيَّتِهَا و عَدَم الأكتراث باي تَفْسِير ميتافيزقي لِلْحَيَاة . ثُمّ نَقْفِز إِلَى أَطْلاَل الدَّوْلَة الرُّومانِيَّة الَّتِي قَامَت عَلَى أَنْقَاض الدَّوْلَة اليوناية الأغريقية حَيْث نَعْطِف عَلَى الشكاك شيشرون ( 106 قَبْل الْمِيلاَد ) حَيْث يرى بَان الْمُسْتَحِيل أَن تَتَأَتَّى مَعْرِفَة عَن الْآلِهَة ، وَاِعْتَقَد أَنّ الْقِيَم الأخلاقية مُسْتَقِلَّة عَن الدِّين الْمُؤَسَّسَي ، وَأَنَّهَا تَخْضَع لِلْاِسْتِقْصاء الْعَقْلانِيّ الْفَلْسَفِيّ .

مِن الْجَدِير بِالذِّكْر اِنْه فِي عَام ٢٠٠٠ ، اُعْتُذِر الْبَابَا يُوحَنَا بِوَلْس الثَّانِي عَلاَنِيَة عَن مُحَاكَمَة الْكَنِيسَة لجاليليو رَغْم ان جاليليو لَم يَسْجُن الَا فَتْرَة قَصِيرَة و لَم يَقْتُل , لَكِنَّهَا لَم تَعْتَذِر عَن مَا فَعْلَتُه فِي الْعَالَم جوردانُو برونو ( 1600 مِيلاَدَي ) حَيْث أَحَرْق عَلَى الْخَازُوق لِمُدَافِعَتِه عَن اراء كوبرنيكوس و هَذِه الصِّراعَات الْعِلْمِيَّة – الدِّينِيَّة بالأضافة إِلَى حَرَكَة التَّحَرُّر اللوثرية البروستانتية ضِدّ الْكَنِيسَة الْكَاثُولِيكِيَّة تُشَكِّل اول ارهاصات لالقاء بُذور النَّزْعَة الانساية فِي الاراضي الاوروبية .

ثُمّ ابتدائا مِن الْقَرْن الثَّامِن الْعُشُر الْمَعْرُوف بِعَصْر التَّنْوِير إِلَى ايامنا هَذِه بَدَأْت بُذور النَّزْعَة الانسانية تَخْضَر و تُثْمِر بِجُهُود جُمْع مِن الْفَلاَسِفَة بدأا بكانط الَّذِي اِفْتَرَض أَنَّه يَمُّكُنّ تَأْسِيس الْأخْلاق عَلَى الْعَقْل وَحَدَّه و بِالْإضافَة إِلَى مَقَالَاتِه فِي مَفْهُوم التَّنْوِير و اهمها مَقَالَه الَّذِي كَتَبَه فِي عَام 1784 حُمِل عُنْوَان (( مَا التَّنْوِير )) الَّذِي يُصَرِّح فِيه :-

((فإن شعار عصرالتنوير هو تجرأ على المعرفة , تمتَّع بالشجاعة لاستخدام عقلك )) (2)

صورة ذات صلة

بُغْض النَّظَر عَن هَذِه الْمَقَالَة بشكلا عِلْم فان الإنسانوية الْحَديثَة تَنْطَوِي بِوُضُوح عَلَى اِلْتِزَام بِالتَّنْوِير بِحَسْب مُعَنّى كانط , وَدَعْوَة كانط تَتَلَخَّص بِأَنَّه يَجِب عَلَينَا أَن نَتَجَرَّأ عَلَى التَّشَكُّك وَالتَّفْكِير بِأَنْفُسِنَا ، لَا الْقَبُول الْمُسْتَسْلِم بِمَا يُصَرِّح بِه التَّقْليد .

و يُعْتَبَر ايضا دِيفِيد هَيُوم مفكرا تنويريّا ذَا أهَمِّيَّة خَاصَّة مِن وَجِهَة نَظُرّ الإنسانوية وَلَا يُزَال الْخِلاَف دائرا حَوْل إِنّ كَان هَيُوم لَا أدريّا أَم مُلْحِدا ، إلّا أَنَّه كَان لَا يُؤَمِّن بالُه .

وَيَتَّفِق أغْلَب الإنسانويين الْمُعَاصِرِين مَع هَيُوم فِي أَنّ لِلْعَقْل حُدودَه , رَغَم أَنَّه يَجِب عَلَينَا اِسْتِخْدامَه أَيْنَمَا نَسْتَطِيع وَبِأفْضَل مَا يُمْكِنُنَا .

و فِي اغلب كِتَابََات الْمُفَكِّر الرَّاحِل عَبْد الْوَهَّاب الْمَسِيرَِي يرى ان الْحَرَكَة الْإِنْسانِيَّة الهيومانية هِي مِن انتاجات فِكْر حَرَكَة الْاِسْتِنارَة ؛ و حَيْث إِنّ رُوَّاد هَذِه الْحَرَكَة فِي أحَد مَرَاحِلِهَا بَشَّرُوا بالهيومانية الَّتِي اِخْتَارَت الْإِنْسانِيَّة مَرْجِعا لَهَا ، مُوَاجَهَة بِذَلِك الْكَوْن بِدون وسائط ، مُعْتَمَدَة فَقَط عَلَى الْعَقْل الْإِنْسانِيّ وَالْحَواسّ وَالْمُعَرَّفَة الْمُتَراكِمَة التّارِيخِيَّة وَالْعِلْمِيَّة , لَكِنّ لَم يَعْلَمُوا ان ضَرِيبَة الْجُحُود بِالله ثُمّ الايمان بالانسان الَهَا هِي سُقُوط اول قِطْعَة ديمنو لِتَبْدَأ مُتَتالِيَة الْعَبَث .

وَفِي ألمانيا أيضا ، أُنْكِر عَالِم اللّاَهُوت وَالْفَيْلَسُوف لودفيج فويرباخ الْأَفْكَار الدِّينِيَّة التَّقْلِيدِيَّة ، وَأَكَّد عَلَى أَنّ رَبّ الدَّيْن التَّقْليدِي هُو الْإِسْقاط الْوَهْمِيّ , الْخَارِجِيّ لِطَبِيعَة الْبَشَر الْكَامِنَة دَاخِلَهُم ، وَاُنْتُقِد فرِيدرِيش نيتشه بِشِدَّة مَنْظُومَة الْأَخْلاَق الْمَسِيحِيَّة ، وَاِتَّهَمَهَا بِأَنَّهَا مُعَوِّقَة لِلْحَيَاة ، وَمُحَمَّلَة بِمَشَاعِر الْكَرَاهِيَة وَالسُّخْط .

و فِي بريطانيا وَضْعا الفيلسوفان جيرمي بينثام و جَوْن ستيوارت مَيْل نظرية أَخَلّاقِيَّة ثَوْرِيَّة تُعْرَف بَاسِم النَّفْعِيَّة وَحَسْب بنثام ، فان :-

((تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس هو أساس الأخلاق والتشريع )) (2)

وَبِالْتَّأْكِيد لَيْس جَمِيع الإنسانويين نَفْعِيِّين , إلّا أَنّ نُشُوء النَّفْعِيَّة كَان مُهِمَّا بِوُضُوح لِنَشُوء الإنسانوية الْحَديثَة ، وَلَا سِيمَا لِأَنَّهَا تُوَضِّح مجددا كَيْف أَنَّه يُمْكِن التَّعْبِير وَالدّفاع عَن رُؤْيَة مُمَيَّزَة وَمُحْكَمَة فَكَرِيّا لِمَنْظُومَة الْأخْلاق بِمَعْزِل تَامّ عَن أَيّ مُعْتَقَد دِينِيّ .

شُهِد الْقَرْن التَّاسِع عُشُر نَشْأَة جَمْعِيََّات أَخَلّاقِيَّة ، وَهِي الَّتِي ظَهَرْت فِي أُورُوبَّا وَالْوِلاَيََات الْمُتَّحِدَة , وَفَّرْت تِلْك الْجَمْعِيََّات إِطارا يُمْكِن لِلنَّاس مِن خِلاَلِه مُنَاقَشَة الْمَسَائِل الأخلاقية وَالْاِشْتِراك فِي نَشَاط أخْلاقِي, أَخَذْت عَلَى عَاتِقِهَا اِلْتِزَامَاتِهَا الأخلاقية بجِدية ، وَكَان الْإيمَان بِوُجُود إلَه اِخْتِيَارِيّا .

تَحَوَّلْت مُخْتَلِف الْجَمْعِيَّات الأخلاقية الَّتِي ظَهَرْت فِي الْقَرْن التَّاسِع عُشُر إِلَى إحْدَى الرَّكائِز الْأَسَاسِيَّة لِلْحَرَكَة الإنسانوية الْحَديثَة .

فِي عَام ١٨٩٦ ، تَجَمَّعْت الْجَمْعِيََّات الأخلاقية الْبرِيطانِيَّة مَعا لِتُشَكِّل اتحاد الْجَمْعِيََّات الأخلاقية ، الَّذِي أعُيدت تَسْمِيَتَه فِي عَام 1967 لِيَكُون الرَّابِطَة الإنسانوية الْبرِيطانِيَّة .

وَفِي عَام ١٩٥٢ ، أَصْبَح الاتحاد الأخلاقيّ الْأَمْرِيكِيّ ، وَهُو مُنَظَّمَة جَامِعَة لِمُخْتَلِف الْجَمْعِيََّات الأخلاقية بِالْوِلاَيَات الْمُتَّحِدَة ، عُضْوا مُؤَسِّسا فِي الْاِتِّحَاد الإنسانوي وَالْأخْلاقِي الدَّوْلِيّ ، وَهُو الْجِهَة الَّتِي تُمَثِّل الْآن الْحَرَكَة الْإِنْسانِيَّة الْعَالَمِيَّة .في كثير من الدول إبَّان النصف الثاني من القرن العشرين،

فَفِي أُورُوبَّا ، تَرَاجَع الدِّين عَلَى نَحْو كَبِير ؛ فَعَلَى سَبِيل الْمِثَال ، تُشِير اِسْتِطْلاعَات الرَّأْي أَنَّه فِي نِهَايَة الْقَرْن الْعَشْرَيْن ، تَبَنَّى حَوالِيّ ٣٦ ٪ مِن الْبرِيطانِيِّين مُعْتَقَدَات وَقِيَم الإنسانوية وَالرَّابِطَة الإنسانوية الْبرِيطانِيَّة .

كَان كَثِير مِن مُفَكِّرِي الْقَرْن الْعَشْرَيْن الْبَارِزِين مِن الإنسانويين ؛ وَفِيهُم برتراند رَاسَل ، الَّذِي كَان لِكِتَابِه – لِماذا لَسْت مَسِيحِيَّا ؟؟- بالِغ التَّأْثِير .

وَفِي نِهَايَة الْقَرْن الْعَشْرَيْن ، زُعِم عَدَد قَلِيل نسبيّا مِن الْفَلاَسِفَة أَنّ الْأخْلاق تَتَطَلَّب أَسَاسا إلَهِيّا مِن نَوْع مَا , فِي الْوَاقِع أَشَارَت نَتِيجَة اِسْتِطْلاع حَديث ان 14 . 6 % فَحُسِب مِن الْفَلاَسِفَة مُؤلِّهون , وَأَبْرُز الأخلاقيين الْيَوْم وأبلغهم تَأْثِيرا ، وَهُو بِيتِر سَنَجُرّ ، إنسانويّ . هُنَا يَجِب ان نُصُل إِلَى خَلاصَة مُهِمَّة ان النَّزْعَة الأنسانية فِي الْفِكْر الْغَرْبِي هِي نتيجمة تَرَاكُمَات مُتَتالِيَة و مُحَاوَلََات لِتَقْديم صُورَة نَاضِجَة عَن الرَّكائِز المفاهيمية لِلتَّوَجُّه الْإِنْسانِيَّ .

النقود

النقطة الاولى

عدم وجود تفسير للبعد الأخلاقي

( يوجد ملحدون على اخلاق لكن لا يوجد الحاد اخلاقي ) 7
علي عزت بيجوفيتش

نتيجة بحث الصور عن بيجوفيتش

نَحْن هُنَا نَبْحَث عَن الْجَانِب النَّظَرِيّ و التَّأْسِيسِي الْمَنْهَجِيّ لِلْفِعْل الاخلاقي لَا ذَات الْفِعْل , فَالسُّؤَال الَّذِي يَطْرَح عَلَى الْإِنْسانِي مَا هِي مَرْجِعِيَّتُك و مِن اين تسمتد صِحَّة فِعْلِك ؟!

مَا الْمِعْيَار الَّذِي تَعْتَمِد عَلَيه لِتَأْكِيد صِحَّة مَا تَفْعَل , هَل هُو الْجَانِب النَّفْعِيّ لِلَذََّات الأنسانية بُغْض النَّظَر عَن تَبِعََات هَذَا الْفِعْل , ام هَل هُو ذَلِك التَّفْسِير بَان اخلاقنا هِي نِتَاج مِن التَّارِيخ التَّطَوُّرِي الْمُتَغَيِّر غَيْر الثَّابِت للانسان ؟!

اليست الاخلاق شِيئَا ثَابِتا فِي حَيَاتِنَا لَا يَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الزَّمان أَو الْمَكَان , مَا الَّذِي يَجْعَل الْبَشَر يَتَّفِقُون عَلَى

الْعَدْل و الْخَيْر و حُبّ نَفْع الْخَلْق , و يُكْرَهُون الشَّرّ و الظُّلْم و الضَّغِينَة ؟

فمثلا يتسأل بيجوفتش : (لو أن شخصا حاول إنقاذ طفل من بين الركام و عاد هذا الرجل, و الطفل ميت و الرجل على وشك الهلاك لماذا نثمن هذا الفعل و نجعل صاحبه من الابطال) 7

من زرع هذا القانون الداخلي فينا ,من الذي جعلنا ندرك الخير و نستقبح الشر ؟!

و للتوضيح فالمتدين لا يقول ان غير المتدين ليس خلوقا بل يقول ان الدين يعزز من الأخلاق في البشر و يوسع دائرته و ينمي تلك البذرة التي زرعت في فطرتنا فعن رسول الله صلى الله عليه و سلم :

” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (صححه الألباني في الصحيحة)

فالاخلاق مَوْجُود بالاساس فَطُرَّة فِي دَاخِل الذات الْإِنْسانِيَّة لَكِنّ يَبْقَى السُّؤَال لِصَدِيقِنَا الْإِنْسانِي , مِن زَرْع ذَلِك فِينَا , و كَيْف نُعَزِّز تِلْك الْقَيِّم بَعيدَا عَن الْفَلْسَفَة النَّفْعِيَّة او فَكُرَة الصَّالِح الْمُشْتَرَك ؟ !

كَيْف يُمْكِن تَفْسِير التَّضْحِيَة أَو الْاِسْتِشْهَاد فِي سَبِيل اي فَكُرَة أَو ايدولوجيا ؟ !

و كما يعلق الدكتور هيثم طلعت في مقالته المهمة الهيومانية كبديل عن الدين :

((ويمكننا أن نزعم أن كل أخلاق الملحد هي مجرد تأثر بالدين ومبادئه الأخلاقية الأساسية،بطريقة صامتة غير محسوسة، ولكنها ثابتة، فقد تربى الملحد في ظلال الدين عشرات السنين، إن أخلاق الملحد هي عطية الدين، هكذا علينا أن نزعم إلى أن ينشأ مجتمع إلحادي كامل)) 8

ثم لو رجعنا إلى مقولة بيجوفتش التي افتتحنا بها هذه النقطة نراه يؤكد هذه الفكرة :

((“يوجد ملحدون على أخلاق، ولكن لا يوجد إلحاد أخلاقي، والسبب هو أن أخلاقيات اللاديني ترجع إلى الدين … دين ظهر في الماضي – مملكة نبوة – ثم اختفى في عالم النسيان، ولكنه ترك بصمته قوية على الأشياء المحيطة )) 7

نَعَم تِلْك هِي بَقايا الْوَحْي وَالنُّبُوَّة فِي النَّاس الَّتِي انكرت خَالِقَهَا و الرِّسَالَات !!

ثُمّ بِالْإضافَة لَا يُوجَد دَافِع بالاساس يَحُثّ اي انساني لِتَقْديم الاخرين عَلَى نَفْسُه , مَا الَّذِي يَدْفَعُه لِلتَّكافُل أَو التَّضْحِيَة أَو الْوَفَاء مَا الَّذِي يَدْفَعُه لِلْاِلْتِزَام نَحْو اي فَكُرَة و نَحْو اي قَضِيَّة , مِن سَوْف يَتَصَدَّر لِلْخِدْمَة الْعَامَّة أَو الْعَمَل التَّطَوُّعِي مَا هُو الاساس الْفَلْسَفِيّ الَّذِي يَدْفَعُه إِلَى ذَلِك ان لَم يَكُن هُنَاك قَانُون دَخْلِي يؤزه ازا إِلَى ذَلِك ؟!

و السُّؤَال الْأَقْوَى مَا الَّذِي سَيُمْنَعُه مِن عَدَم مُمَارَسَة الشَّرّ أَو تَوْجِيه الاذى نَحْو الاخرين ؟!

حينما يَسْكُت ضَمِيرُه الدَّاخِلِيّ ؟!

لَا مُبَرِّر لِوُجُود مَفْهُوم الْاِلْتِزَام و الْوَاجِب الْإِنْسانِيّ ؟

النقطة الثانية

ظاهرة موت الانسان معنوياً و دخوله في متاهات العبث

ظَنّ نيتشه و تَلاَمِيذَه باعلانهم مَوْت الاله ان الأنسان اِعْتَلَى قِمَّة هَرَم الْحَيَاة و أصبح سَيِّد نَفْسُه المستغني عَن كُلّ شَيْء , لَكِنّ مَا لِبَثُّوا ان دَخَلُوا فِي دُوَّامَات الْعَدَم و اللامعنى و الْعَبَث لِيُعْلِنُوا عَن مَوْت الانسان .

لِذَلِك يُعَلِّق نيتشه بِكِتَابِه هَكَذَا تُكَلِّم زَرادُشْت:

“إنه لأمر جد مستغرب، ألم يسمع هذا الشيخ في الغابة أن الإله قد مات”

ليستكملها تلميذه غير المباشر فوكو معلناً في الصفحات الأخيرة من كتابه “الكلمات و الأشياء” , “ليس غياب الله أو موته هو المؤكّد بقدر ما هي نهاية الانسان ” .

نتيجة بحث الصور عن فوكو

هَل هَذَا يَعْنِي انهيارالمشروع الهيوماني ( مَشْرُوع الْإيمَان بِالْإِنْسان ), اِلْم يُصْبِح الانسان بِهَذَا الْفَهْم جُزْءَا مِن الطَّبِيعَة الْمَادِّيَّة لِلْكَوْن , كَوْنُه ظاهِرُه مَادِّيَّة بَحْتَة لَيْس لَهَا اي بَعْد مِيتافِيزِيقِيّ , اليست الطَّبِيعَة الْمَادِّيَّة هُنَا هِي الْمَرْكَز و هِي كُلّ شَيْء ….

لِذَلِك فِي اُحْد اِسْتِنْتاجَات الْفَيْلَسُوف هيدغر وَجْد ان الْحَرَكَة الْإِنْسانِيَّة بالاساس اخطئت مِن حَيْث تَعْرِيفِهَا للانسان , حَيْث نَظَرْت الِيِه كَحَيَوَان عَقَلَانِي ثُمّ رَكَّزْت عَلَى حيوانتيه لِدَرَجَة اِعْتِبارِه جُزْء مِن عَالَم الطَّبِيعَة و الْمَادَّة , لَا يَتَمَيَّز عَنْهَا بِشَيْء و لَا يَخْتَلِف بِشَيْء , لِذَلِك سيكون اي سُؤَال عَن الْأَبْعاد الْإِنْسانِيَّة مَحْصُور دَاخِل دَائِرَة عَالَم الْمَادَّة و الطَّبِيعَة .

لِذَلِك لَن نستغرب تَعْلِيق بِيتِر سَنَجُرّ الْأُسْتَاذ بِجَامِعَة برينستون:

“حياة رضيع ليست أغلى داروينيًا من حياة شبمانزي أو خنزير” 10

و يقول كريستوفر مانيز :

“لا يوجد مستند لرؤية البشر ككائن أرقي من غيره”9

و كما يعلق الدكتور هيثم طلعت في مقالته الهيومانية كبديل عن الدين :

((إذا كان الإنسان ابن المادة ومن المادة وإلى المادة، فلماذا الحديث عن سموه أو قيمته أو مركزيته؟ )) 8

و يعلق الفيلسوف السياسي احد رواد الليبرالية و الإنسانية فرانسيس فوكوياما في كتابه الأشهر نهـاية التاريخ 11:

“حقوق الانسان لها مشكلة فلسفية عميقة إذ لابد أولاً أن نفهم الإنسانقبل أن نبحث في حقوقه، نفهم طبيعة الإنسان، فالعلوم الطبيعية الحديثة تشيرإلى أنه ليس ثمة فارق بين الانسان والطبيعة، وعندما نوسع في المساواة التيتنكر وجود أي اختلافات بين البشر، فيمكن أن يشمل ذلك إنكار وجود اختلافاتهامة بين الانسان والقردة العليا، وتنشأ عن ذلك أسئلة لا حصر لها، إذ كيف يكونقتل البشر غير مشروع، في حين قتل هذه الحيوانات ليس كذلك، وسنصل حتمًا فيمرحلة ما إلى السؤال التالي: و لماذا لا تتمتع الطفيليات المعوية والفيروسات بحقوق مساوية لحقوق الإنسان؟

إن عدم اهتمام الناس بهذه المساواة يوضح أنهم لا يزالون يؤمنون بمفهوم ماعن تفوق قدر الانسان، وحتى حماة الطبيعةو حماة الحيوانات، هم فقط يدافعون عن الحيوانات لأنهم يحبون بقائها معنا، ومجرد إفنائها لا سبيل لتعويضه مع ضياع فوائد ربما تُكتشف منها مستقبلاً،فحتى حماة الحيوانات هم للإفادة منها وليس من أجلها، وهذا عكس حقوق الحيوان، إن مفهوم التوسع في المساواة أدى إلى حيرتنا الراهنة، إننا لو كنا نؤمنحقًا أن الانسان مجرد كائن في سلسلة حيوانية يخضع لقوانين الطبيعة، ليست لهقيم متجاوزة، هنا كان لابد أن تتساوى الكائنات جميعًا في الحقوق، وسيتعرض ساعتهاالمفهوم المساواتي للبشر للهجوم من أعلى ومن أسفل، ولا يسمح لنا هذا المأزق الفكري الذي أوقعتنا فيه النسبية الحديثة بأن نرد على هذا الهجوم أو ذاك،و بالتالي لا يسمح لنا بالدفاع عن الحقوق المساواتية –فإما طبقية متوحشة، أومساواتية مستحيلة”

نتيجة بحث الصور عن نهـاية التاريخ

و لذا يقول الدكتور المسيري رحمه الله:

(( أن الإله هو التركيب اللانهائي المفارق لحدود المُعطى النهائي، هو النقطة التي يتطلع إليها الانسان ويحقق التجاوز من خلالها، ومن ثًم بغيابه يتحول العالم إلى مادة طبيعية صماء، خاضعة لقوانين الحركة والصيرورة التي يمكن حصرها وإحاطتها والتحكم فيها، وينضوي الإنسان تحت نفس النمط، إذ بغياب الإله يتحول الإنسان إلى كم مادي يمكن أدلجته وقولبته في إطار مجموعة من المعادلات الرياضية الميته، وفي هذه اللحظة تموت الروح ويتبعها موت الإنسان، فالإيمـان بالإنسان وقيمته ومركزيته وسموه هو إيمـان يتجـاوز حركة المادة وديناميكيتهـا … فعندما يُقرر الإنسان أن ينسى الإله في هذه اللحظة بالذات يكون قد نسي نفسه { نسوا الله فأنساهم أنفسهم } ﴿١٩﴾ سورة الحشر. )) 8

و يضيف قي موضع اخر :

(( ومن الواضح أنه، مع موت الإله وسيولة الواقع واختفاء القيم، يموت الإنسان إذ أنه يفقد مطلقيته (أى قدسيته) ومكانته الخاصة ويصبح شيئا مثل كافة الأشياء لا تفصل بينه وبينها أى ثغرات. )) 12

و عَنْدَما قُرِّر عُلَمَاء الْعَقِيدَة بِأَنّ الله هُو وَاجِب الْوُجُود , ذَلِك يَدُلّ عَلَى قَرِيحَة نَافِذَة فُهِمْت مُرَاد الله مِن وُجُود الانسان .

بِدون الِه او باعلان مُوِّتَه كَمَا قَرَّر نيتشه لَا وُجُود لِلْمُعَنّى أَو لِحَيَاة الانسان أَو لِلْخَيْر و الشَّرّ أَو اي تَقْسِيم , تَفْقِد الْأَشْيَاء حُدودَهَا وَهُوِيَّتُهَا وَيَصْعُب التَّمْييز بَيْن كُلّ شيئء ، وَقْتُهَا يُنْسَى الانسان اِنْه انسان .

وَقَد اُخْتُصِر رَئِيس التشيك فاكيلاف هافل هَذِه الْإِشْكالِيَّة الْكُبْرَى فَقَال عِبَارَتُه الرَّائِعَة :

” حينما أُعْلِنْت الْإِنْسانِيَّة أَنَّهَا حاكِم الْعَالَم الْأعْلَى ، فيهذه اللَّحْظَة نَفْسُهَا ، بَدَأ الْعَالِم يَفْقِد بُعْدُه الْإِنْسانِي ”

مِسْكِين ذَلِك الانسان الَّذِي حَاوَل ان يَبْحَث عَن ذاته فَفَقْد ذاته خِلَال بَحْثِه !

النقطة الثالثة

عدم استيعاب النزعة الانسانية للمفاهيم المعنوية

لِماذا نَمُلّ مِن حَلّ مَسَائِل الرِّياضِيَّات ؟

و لَا نَمُل مِن قِرَاءة قَصِيدَة او سَمَاع مَقْطَع نُحِبُّه , اعدناه الف مَرَّة ؟

لِماذا يَجْذُبُنَا جَمَال الزَّهْر و السَّمَاء ؟ و يَخْطِف ابصارنا الْوَجْه الْحَسَن ؟

لَمَّا تَجَاهَلْت الْفَلْسَفَة الْإِنْسانِيَّة ذَلِك الْبُعْد الْفَنِّي فِي الانسان , ايستطيع الْعَقْل بِمَنْطِقِه و عَقْلانِيَّتُه الْجَافَّة تَفْسِير ذَلِك ؟

حتى ان الفيلسوف الفذ طه عبد الرحمن يعلق 16:

الإنسان الذي لا تكون له نظرة جمالية إلى الأشياء في نفسه وفي أفقه، لا أظن أنه يكون إنساناً كاملاً

لماذا اختزلت الحركة الإنسانية الانسان بعقله و حيوانيته فقط ؟!

و ضَفّ عَلَى ذَلِك عَدِيد مِن الْمَفَاهِيم الْفَلْسَفِيَّة الْمُرَكَّبَة , الَّتِي لَا يُمْكِن تَفْسِيرُهَا عَقْلِيَّا كَالْْوَعْي و الْإِدْرَاك و الْهُوِيَّة الشَّخْصِيَّة و الْجَمَال , الْقَائِمَة تَمْتَدّ و لَا تَنْتَهِي .

كَيْف نُفَسِّر الشَّوْق و الْحَنِين , كَيْف نُفَسِّر تَعَلُّق الام بِطِفْلِهَا و تَقْديم طِفْلِهَا عَلَى نَفْسِهَا فِي كُلّ وَقْت و حِين ؟!

صُدِّق الْفَيْلَسُوف طه عَبْدالرَحْمَن فِي قَوْلُه:

” إذا كانت الشهوة لغة النفس، فإن الشوق لغة الروح ” 17

خلاصة المقال

مِن اِهْم الافكار الَّتِي حَاوَلْت ان اؤكدها هِي اسبقية الْقَانُون الاخلاقي المركوز فِي الانسان قَبْل تَقْنِينَهَا أَو اعلانها بِعَنَاوِين مختلفة و اسبقية مَجْمُوعَة افكار عَقْلِيَّة فِي وَعْي الانسان عَن الْعَالَم و عَن ذاته لِلتَّعَامُل مَع الْوُجُود و ان حَاوَل ان يُنْكِرُهَا .

فهذا إيمانويل كانط رمز الفلسفة الألمانية، وفي عمله الثاني في ثلاثيته النقدية المشهورة، استفتح خاتمة الكتاب بهذه العبارة ذات الدلالات المثيرة، حيث يقول كانط في كتابه المشار إليه:

(شيئان اثنان يملآن العقل بإعجاب ومهابة متجددين ومتزايدين، كلما كررنا النظر فيهما؛ الأفلاك المرصعة بالنجوم فوقنا، والقانون الأخلاقي فينا).

[ Kant, The Critique of Practical Reason, p.138 ]

لنصل الى سؤال و نتيجة بنفس الوقت :
من زرع هذه المنظومة فينا ؟!
اهو العبث العدمي ام التطور بصدفه المبدعة ؟!
ام هناك خالق فطرنا على احسن تقويم ؟!

بالنهاية الْإِسْلام ما زال يُؤَكِّد استخلاف الله للانسان فِي كَوْنِه , لَكِنَّه لَا يَجْعَلْه مَرْكَز الْوُجُود لانُه الله وَحْدِه جَلّ فِي عُلاِه وَاجِب الْوُجُود .

الْإِسْلام لَا يَتَعَامَل مَع الانسان كَحَيَوَان عَاقِل كَمَا تَصُفّ الْفَلْسَفَة الْإِنْسانِيَّة الْمَادِّيَّة , بَل كَكُلّ مَرْكَب مُعَقَّد يَطَأ الارض باقدامه لَا يَتَثَاقَل الِيِهَا و يَشْخَص بَصَرُه مُحْدِقَا فِي السَّمَاء , كَالْطَّيْر يَصِف جَنَاحُه و يَقْبِض يَحِنّ الى عُشَّه فِي الْجَنَّة , و يَجِد فِي دَاخِل نَفْسِه اِشْتِياق لِشَيْء مَجْهُول .

صدق بيجوفيتش في قوله المكثف :

(( لقد وجد الإسلام قبل الإنسان )) 7

——————————————————————————————————————————-

و لله الامر مِن قَبْل و مِن بَعْد

و الْعِزَّة للَه و لِرَسُولِه و لِلْقُرْآن الْعَظِيم

الهوامش

Humanism: What’s in the Word – Nicolas Walter – 1

2 – الإنسانوية – مقدمة قصيرة جدٍّا – ستيفن لو

Humanist Manifesto I – 3

Humanist Manifesto II – 4

Humanist Manifesto III – 5

6- مُقَدَّمَةٌ للإنسانوية – الْإلْحَادُ الْإِنْسانِيُّ , حَيَاةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ , حَيَاةٌ اخلاقية بِدونِ دِينٍ

7 – الاسلام بين الشرق و الغرب – علي عزت بيجوفيتش

8 – الهيومانية كبديل عن الدين – د.هيثم طلعت

9-

Manes, C., Author of Green Rage (1991), quoted in The War on Humans by the Discovery Institute, 18 February 2014: see www.youtube.com/watch?v=RWcEYYj_-rg, 38 seconds, accessed 25 March 2014.

10 –

John-Henry Westen, “Princeton Professor Singer: And I repeat, I would kill Disabled Infants”, Sep 12, 2006 lifesitenews, accessed 1 May 2014. see http://www.lifesitenews.com/news/princeton-profess…

11 – فرانسيس فوكوياما، نهـاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، الطبعة الأولى 1993م، مركز الأهرام للترجمة والنشر

12 – نيتشه فيلسوف العلمانية الأكبر – د.عبدالوهاب المسيري

13 – ياسر حرب – تأملات

14- دراسات معرفية في الحداثة الغربية – د. عبدالوهاب المسيري

15 – في الفن – د.الطيب بو عزة

16 – حوارات من اجل المستقبل – د.طه عبدالرحمن

17- روح الدين – د.طه عبدالرحمن

18 – ظاهرة نقد الدين في الفلسفة – د.سلطان العميري

19 – وهم الشيطان – ديفيد بيرلينسكي

20 – المجرّات سلالم اليقين – ابراهيم السكران

المراجع

إشكالاتٌ إلحادية – عمار سليمان – مركز نماء للدراسات

الانسان الابتر و الانسان الكوثر – د. طه عبد الرحمن

الفلسفة الإلحادية (المادية) وتفكيك الإنسان – مقال – مركز نماء للدراسات – د.سلمان بو نعمان

الفلسفة المادية و تفكيك الانسان – عبد الوهاب المسيري

لماذا الفن؟ – د.الطيب بو عزة

نيتشه فيلسوف الحداثة الاول – عبدالوهاب المسيري

https://americanhumanist.org/

الهيومانية كبديل عن الدين – د.هيثم طلعت

النزعة الانسانية المستغنية – ظاهرة نقد الدين في الفلسفة – د.سلطان العميري

نقد النزعة الإنسانية في المجال الغربي .. النمط الثالث – زكي ميلاد مجلة عكاظ

الانسانوية – مقدمة قصيرة جدا

العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة – د.عبد الوهاب المسيري

الحداثة المنفصلة عن القيمة والإله الخفي – – د.عبد الوهاب المسيري

فلسفة الإنسان عند عبد الوهاب المسيري – سلمان بو نعمان

فكر حركة الاستنارة و تنقاضته – د.عبد الوهاب المسيري

المنشورات: 2

المشاركون: 2

اقرأ كامل الموضوع